لما أراد كمال أتاتورك تحديث تركيا ووضعها على سكة التقدم، اعتمد طريقة سطحية وشكلية لأنه لم يكن مستوعبا لميكانيزمات التنمية، ففرض استعمال اللغة التركية بدل العربية في الأذان، وفرض ارتداء القبعة الأوربية بدل العمامة، كما فرض اللباس الأوربي.
بعد عقود من الزمن، بقيت تركيا في مكانها، لم تنفعها القبعة ولم تتقدم بها إلى الأمام لا البذلة ولا اللغة. فالتنمية عمل عقلي في البداية، يستلزم إنتاج الفكر.
قد نفهم قصور نظرة اتاتورك لأنه كان حديث عهد بالواقع الأوربي، ولم تكن لديه تراكمات معرفية تتعلق بالتنمية والتحديث. لكن هل يمكن تبرير فشل من أتوا بعده وحكموا تركيا؟
أهم سلاح تسلح به السياسيون في تركيا منذ أتاتورك هو شعار "علمانية الدولة" حتى صارعقيدة، توهم أصحابها ومعتنقوها أن تركيا بلد متقدم وتقدمه رهين بالحفاظ على علمانيته المتطرفة.
لكن واقع أزيد من نصف قرن من الأتاتوركية أظهر أن العلمانيين فشلوا في إدارة البلاد، لأنهم ارتكبوا خطيئتين:
ـ أولاهما أنهم لم يسلكوا سبل التقدم المرتكزة على البحث العلمي والتجديد، إذ بقوا جامدين على الأتاتوركية لأنها الضامنة لمصالحهم.
ـ ثانيتهما أنهم اعتمدوا العلمانية بمعزل عن الديمقراطية. والذي بإمكانه ضمان الحرية والتقدم هو الديمقراطية وليس العلمانية. وذلك ما جعل تركيا تائهة في علمانيتها، في غياب العدالة والحرية والتنافس السياسي، مما أنتج طبقة عسكرية وأوليغارشية مرتبطة بالجيش تتحكمان، بمعية السلطة القضائية، في زمام الأمور السياسية والاقتصادية والثقافية.
وقد كانت فرصة الانعتاق ماثلة في السبعينات من القرن العشرين، أثناء حكم نجم الدين اربكان، لكن الانقلاب العسكري على حكومته أفشل كل الآمال.
ولعل ذكاء الإسلاميين الأتراك اليوم وقراءتهم الجيدة للتاريخ والواقع، وإدراكهم لآليات التقدم والترقي مكنهم من سلوك ثورة هادئة من أجل بلدهم، بدأت بالتسيير الناجح للشؤون المحلية، ووصلت إلى تثبيت أحد أهم دعائم الديمقراطية، أي فصل السلط، فتم لجم القضاء الفاسد، وتقليم مخالب الجيش، وإعادة السلطة للمدنيين بعد أن احتكرها العسكريون منذ أتاتورك.
ما يمكن استخلاصه من التجربة التركية هو أن ليست العلمانية من كانت وراء تطور تركيا، بل كانت هناك عوامل أخرى توفرت لدى الإسلاميين، أولها مرجعيتهم التي تحثهم على إعطاء الأولوية لمصلحة البلد، وعلى التفاني والإتقان في الأداء، وعلى الأمانة، وكل ذلك في سياق عرف رقيا بالجامعة وبمراكز البحث.
التاريخ يشهد على أن من كرس الممارسة الديمقراطية في تركيا، ومن حقق خطوات هامة على طريق التنمية والتصنيع هم الإسلاميون، لا العلمانيون. ويقال أن للتاريخ مكرا. ولعل هذا من مكر التاريخ، والذي يقضي بأن يموت خصوم الإسلاميين من الفقصة.
بقلم: روبن هود
بعد عقود من الزمن، بقيت تركيا في مكانها، لم تنفعها القبعة ولم تتقدم بها إلى الأمام لا البذلة ولا اللغة. فالتنمية عمل عقلي في البداية، يستلزم إنتاج الفكر.
قد نفهم قصور نظرة اتاتورك لأنه كان حديث عهد بالواقع الأوربي، ولم تكن لديه تراكمات معرفية تتعلق بالتنمية والتحديث. لكن هل يمكن تبرير فشل من أتوا بعده وحكموا تركيا؟
أهم سلاح تسلح به السياسيون في تركيا منذ أتاتورك هو شعار "علمانية الدولة" حتى صارعقيدة، توهم أصحابها ومعتنقوها أن تركيا بلد متقدم وتقدمه رهين بالحفاظ على علمانيته المتطرفة.
لكن واقع أزيد من نصف قرن من الأتاتوركية أظهر أن العلمانيين فشلوا في إدارة البلاد، لأنهم ارتكبوا خطيئتين:
ـ أولاهما أنهم لم يسلكوا سبل التقدم المرتكزة على البحث العلمي والتجديد، إذ بقوا جامدين على الأتاتوركية لأنها الضامنة لمصالحهم.
ـ ثانيتهما أنهم اعتمدوا العلمانية بمعزل عن الديمقراطية. والذي بإمكانه ضمان الحرية والتقدم هو الديمقراطية وليس العلمانية. وذلك ما جعل تركيا تائهة في علمانيتها، في غياب العدالة والحرية والتنافس السياسي، مما أنتج طبقة عسكرية وأوليغارشية مرتبطة بالجيش تتحكمان، بمعية السلطة القضائية، في زمام الأمور السياسية والاقتصادية والثقافية.
وقد كانت فرصة الانعتاق ماثلة في السبعينات من القرن العشرين، أثناء حكم نجم الدين اربكان، لكن الانقلاب العسكري على حكومته أفشل كل الآمال.
ولعل ذكاء الإسلاميين الأتراك اليوم وقراءتهم الجيدة للتاريخ والواقع، وإدراكهم لآليات التقدم والترقي مكنهم من سلوك ثورة هادئة من أجل بلدهم، بدأت بالتسيير الناجح للشؤون المحلية، ووصلت إلى تثبيت أحد أهم دعائم الديمقراطية، أي فصل السلط، فتم لجم القضاء الفاسد، وتقليم مخالب الجيش، وإعادة السلطة للمدنيين بعد أن احتكرها العسكريون منذ أتاتورك.
ما يمكن استخلاصه من التجربة التركية هو أن ليست العلمانية من كانت وراء تطور تركيا، بل كانت هناك عوامل أخرى توفرت لدى الإسلاميين، أولها مرجعيتهم التي تحثهم على إعطاء الأولوية لمصلحة البلد، وعلى التفاني والإتقان في الأداء، وعلى الأمانة، وكل ذلك في سياق عرف رقيا بالجامعة وبمراكز البحث.
التاريخ يشهد على أن من كرس الممارسة الديمقراطية في تركيا، ومن حقق خطوات هامة على طريق التنمية والتصنيع هم الإسلاميون، لا العلمانيون. ويقال أن للتاريخ مكرا. ولعل هذا من مكر التاريخ، والذي يقضي بأن يموت خصوم الإسلاميين من الفقصة.
بقلم: روبن هود
هذا الموضوع منقول من :: منتديات دفاتر التربوية :: يمكنك زيارته في اي وقت للاطلاع على مواضيعه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق