السبت، 2 أغسطس 2014

تأملات في المشهد الفلسطيني 2/2


لــم يكتفِ الغرب المستكبِــر بالإجهاز علــينا و إنــما سلــط علينا من يُــبقينا في غفلتنا الدائمــة فــلا نعرف التحرر البــتة ، لقــد لُــدِغَ المسلــم من عــدة جحور و أصبح قابــلا لأن يُــلدغ في كــل مــرة يريدها المستكــبِـر ، فقد لُــدِغنا في البوسنة و العراق و أفغانستان و الشيشان و فلسطين و اللائــحة مفتوحــة من دون أن نتــزود بمضادات سموم اللدغ الغدارة ، لــم نستــطع أن نــقرأ الواقــع فنعرف الــداء و دواءه و إنــما مــضى العالــم الإسلامي في غفلتــه و سباتــه العميق تحت حراســة مشددة من أنظمــة الجــبر لإبقاء الوضع الداخــلي في دائرة التفكك الأخلاقي و التخلف العلمي فــزادتنا غفلــة و أودتنا إلــى ما نحن فيه من مــآســي لا تنتهــي مــع أن الحبيب المصطفــى شخص لنا الداء و قدم لنا الدواء فمــن يتَّعــض ؟! يقول المصطفــى عليه السلام في شأن تشخيص المرض العُـضال لهذه الأمــة : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها" فقال قائل: ومن قِلّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: "بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعنَّ اللّه من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ اللّه في قلوبكم الوهن" فقال قائل: يا رسول اللّه، وما الوهن؟ قال: "حبُّ الدنيا وكراهية الموت".



من هنــا تطــل علينا الهــزائم و النكبات ، و نــحن أحــوج إلــى هــذا الحديث الذي يرســم لنا معالــم النصــر إذا نــحن شمرنا علــى سواعد الجد و تحركنا بخطـة واعية . إن التظاهــرات هــي وسيلــة تُــعبر عن ما يــدور و يتغلغــل في داخل قلب المسلم من هيجان و سخط يُــترجمــه في شكــل مظاهرات تنظيمية ، ليس بالضروري أن نعرف مــدى تأثير مظاهراتنا علــى الوضع في غــزة حتــى نتظاهــر ، فنحن مدعوون إلــى ترك الخواتم لله تعالــى ، فــنحن إذ نتظاهــر لا ننوي إلا الإسهام بالحد الأدنى مما تسمحه لنا قدراتنا و إمكاناتنا ، فلــو فُــتِحت أبواب الجهــاد لــما كــانت للتظاهرات أي قيمة في ظل توفر إمكانية حمل السيف و رفع راية الجهاد ، لكن أمــا و أننا أمام أنظمــة استبدادية تقمع من بداخلها و تسهم في حصار غــزة فكيف للإنسان البسيط أن يتصرف إزاء هـذا التواطؤ ؟ التظاهــر شكــل مدنــي ابتكــرته الشعوب للتعبير عن رفضهــا لشيء ما في صور تنظيمية تشارك فيها جميع الهيئات و الفعاليات ، و المشكل أن العديد من أنصاف المثقفين يتعاملــون مع المظاهرات كمــا لــو أنهم يتعاملــون مع القوانين الطبيعية فينتظرون النتائج بعد التماس السبب ! ثــم أننا نــرى أن للمظاهرات وقع خاص علــى أولئك البسطاء من أهل غزة حينما يشاهدون العالم يهتــز و يحتج من أجلــهم ، ألا يُــشعِــرهم بإحساس باطني ألا يرفع من معنوياتهــم و يزيدهــم صمودا .



ينبغــي أن نــدرِكَ أننا لــو كنا نعيش في ظل دول شورية تستنــد إلــى الشــرع و العقل و تحتــرم إرادة شعوبــها لمــا كــان بالإمــكان أن يطرح أحــد منا سبيل البحث عن أساليب الدعم و النصرة لأن الدولــة " الديموقراطية " بطبيعتها لا تقــمع المواطنين المحتجين علــى الهمجية التتارية الصهيونية و لا تبتــكر أساليب الحــد من دعم الجماهير لغــزة بالشكــل الذي يجــري الآن في الدول الأعرابية و إنمــا تقف في مقدمــة أصوات شعبها بكل الوسائــل حــتى لو كــلَّفتها انهيار قصورها و إتــلاف ممتلكاتها ، فقضيــة التضامن مع الأمــة يجب أن تــرتــفع في أعــلى عليين و تتصــدر لائحــة أهداف الوجود الإنساني السامــي حتــى تــعود العــزة و التمكيــن . لذلك نـرى الإستبداد يمــثل عائــقا حــقـيـقـيــا أمام استعادة الكرامة و العزة و مانــعا تاريخيا من عودة الأمــة إلــى مكانتهــا و ريادتهــا ، و يعجبنــي هــنا كــلاما للشيخ محمد الغــزالي رحمه الله تعالــى في ( الإسلام و الاستبداد السياسي ) قال : " عـنـدما تفســد الدولــة بالاستبداد و عندمــا تـفـســد الأمــة بالاستعبــاد يُــعتبَــر الريــاء هــو العملــة السائــدة ) " ( ط 6 ص 43 /2005) .



مـن يعتـقد بأن فصائل المقاومـة الفلسطينية و علـى رأسهـا حمـاس و الجهـاد تُدافعُ عـن بقعـة أرضيـة محدودة فهو واهم، المقاومـة تصنـع تـاريخـا بدمـائهـا دفاعـا عن كرامـة الشعوب المُضطَهـدة، الشعوب التـي ترزح تحت نيل الاستعمـار الأعرابي و الدولي ، تُعلمنــا المقاومـة كل يوم كيف ينبغــي للشهـامــة أن تكون، و تزرع في المهزومـين كيف ينبغـي الصمـود في وجـه العُتـاة الجبارين ، ترسم لأجيالنــا خطوط العـزة و لا تُبـالي بالمثبطين و النـاعقين في إعــلام المـارينز .



حمـاس تنـظيم حُقَّ للأمـة أن تفخــر به، تنظيم جهـادي فريد يعي تمـامــا مَهمتــه التحريرية و الاستراتيجية ، مُشبــع بالايمـان البطولي العـالي ، تنظيم حـافظَ علــى عـدالـة قضيتــه و لم يتورط في الانحيازات الطـائفية، رغــم الضغوطـات الدولية و العروبية و حجم الترسانـة العسكرية الصهيونية و مؤامـرات إعـلام الفلول فإنـه ظل صامدا في وجــه الخونــة و المرتزقين .



القساميُّ الحمـساوي الواحدُ منه يندر أن تـجد له نظيرا في جيوشنــا المتآكلـة، جيوش صُنــعت لقتــل لشعوبهـا و حراســة الاستبداد من ثورات المستضعفين.



و لله الأمـر من قبلُ و من بعدُ





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق