لم تشفع استغاثاته ولا صرخاته طيلة ردح من الزمن وصل إلى سنتين، في فك أسره أو تخليصه من قبضة "أب كفيل" كان يمارس عليه فنونا من التعذيب والاعتداء قد يودي بأطرافه السفلى، ناهيك عن التجويع والتنكيل الذي قد يُبقي جراح الجسد والروح مُندملة إلى الأبد.
القانون يعاقب على عدم التبليغ عن جناية
مشاهدة الحال البئيس التي غدا عليها طفل مدينة ميدلت، في سن ثمان سنوات، تجعل المتتبع يطرح علامات استفهام كبيرة حول طول مدة الاحتجاز والتعذيب دون تقديم الجيران يد العون عبر استدعاء الشرطة والسلطات المختصة وإبلاغهم بحصول تجاوزات، أو وضع شكاية رسمية حول الموضوع بالرغم من علم ساكنة الحي بالاعتداءات وسماعهم صرخات الطفل وتأوهاته ومعاناته، ليبقى واقع حالهم يقول "آش دخلنا" و"الغالب الله" و"ما لقينا ليه جهد"..
المحامي والحقوقي، عبد المالك زعزاع، يوضح لهسبريس، أن القانون الجنائي المغربي حمى الأشخاص من الأفعال الجرمية الخطيرة عن طريق التبليغ عنها، وفي حال عدم التبليغ، يُعاقب الشخص الذي لم يقم بتبليغ السلطات عنها.
وأضاف المتحدث، أُن نصوص القانون المغربي تجرِّم الاحتجاز مثلا الذي هو مُعاقب عليه جنائيا، بالإضافة إلى أفعال تكون داخل أماكن مغلقة كمقرات العمل أو بيوت السكن، موضحا أن النص القانوني الوارد في القانون الجنائي والمتعلق بعدم التبليغ عن جناية يطال كل شخص سَكت ولم يبلغ عن جناية من الجنايات طبقا للقانون.
المُشرِّع يتطور ..والعقليات جامدة
عدم التبليغ عن اعتداءات، ليست مقتصرة على من هم في وضع الطفل المعتدى عليه، بل تتعداها إلى سكوت الجيران عن الصراخ والاعتداءات التي تتعرض لها الزوجات والأبناء على يد بعض الأزواج بشكل قد يكون يوميا، إضافة إلى خادمات قاصرات، دون تحريك ساكن.
الحاجة فاطمة في تصريح لهسبريس، أكدت أنها عمدت إلى الاتصال بالشرطة في وقت متأخر من إحدى ليالي الصيف المنصرم، من أجل الإبلاغ عن اعتداء زوج على زوجته وضربها وتكسير الأواني مع صراخ أبناءهما الصغار، لتفاجئ بالطرف الآخر على الخط يخبرها بالحرف " هو ومْراتو وحنا مالنا، سيري ألالا تنعسي را غدّا غادي يتصالحو".
بخصوص ذات الاعتداءات الحاصلة داخل بيوت الزوجية، أوضح زعزاع أن مقتضيات جديدة حملتها مدونة الأسرة مع بداية تطبيقها سنة 2004، جعلت القانون الجنائي حاضرا في مدونة الأسرة، وأهم مقتضى فيها يتعلق بمراقبة النيابة العامة لتصرفات الزوجين داخل الأسرة ورئيس الشرطة القضائية.
ومن خلال ممارسته في ذات المجال، أوضح زعزاع أن الدور المنوط بالنيابة العامة لم يُفعَّل. كما "سبق لكثير من الباحثين التطرق لذات النقطة، مسجلين كون النيابة العام لم تسجل تطورا في هذا المجال وبقي نشاطها محدودا ولا تتدخل لاعتبارات عرفية أكثر منها قانونية، فالمُشرِّع يتطوَّر لكن العقليات بقيت جامدة" يقول زعزاع.
هذه أسباب امتناع المغاربة عن التبليغ
من جهتها، أكدت خلود السباعي، أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، أن حالات العنف ضد النساء مثلا، لا يتم التبليغ عنها إلا لِماما، على اعتبار أنها مشاكل داخلية حميمية وتدخل في إطار المجال الضَّيق المتعلق بالأسرة، وبالتالي فلا دخل للأجنبي فيها، إضافة إلى اعتبارها "تصرفات عادية بين زوجين أو أناس يعيشون في بيت واحد"، مشيرة إلى كون المُجتَمع الذكوري يعتبر أن الرجل هو الأرجح عقلا الأمر الذي يعطيه الحق لـ"تأديب" زوجته إن هي أخطأت ويعيدها إلى جادة الصواب. كما يَنطبِق ذات الأمرعلى الأبناء، حيث تتم شَرعَنة هذا العنف وعدم اعتباره خارجا عن القانون.
وبخصوص طفل ميدلت، اعتبرت السباعي في حديثها مع هسبريس، أن المحيطين ببيت المعتدى عليه، يعتبرون أن الأب الكفيل هو الوصي عليه، مشيرة إلى أن العنف الأسري يعتبر من أخطر أنواع العنف والذي قلما يتم التبليغ عنه، خصوصا وأنه يتم بين أفراد يصعب التدخل بينهم، "فمن الصعب التدخل بين الزوج وزوجته والأب وابنه أو ابنته"، معتبرة أن الأمر يمكن تعميمه على المجتمعات الانسانية جميعها.
وترى الدكتورة خلود السباعي، أن المجتمعات الأوروبية التي أصبحت في السنوات الأخيرة تقوم بالتبليغ عن اعتداءات أسرية مجاورة، تأثرت بانتشار ثقافة حقوق الإنسان على اعتبار أن لكل فرد حقوقه قبل أن يكون داخل الأسرة ابنا كان أو زوجة أو زوجا، "أما مجتمعاتنا فلا زالت بعيدة عن هذا الأمر، أحيانا قد يشاهد المارة رجلا يضرب امرأة ويحاولون تخليصها ولكن بمجرد علمهم أنها زوجته يبتعدون ويتركونها بين يدي زوجها" تقول السباعي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق