في مدينتي كثير من الناس لايتشبتون بالمساجد القريبة , بقدر ما يتشبتون بالمقرئ الذائع
الصيت .
وأنا طفلة لم أبلغ بعد الحلم , كنت أرافق أبي على الدراجة النارية الى مسجد بعيد عن منزلنا
ولا ينتمي لحينا . انه مسجد مقبرة الشهداء . كنا نطلب أداء صلاة التراويح تحت امامة المقرئ
الجليل مصطفى الغربي , صوت قوي مستقيم , لم يكن يجمل صوته بقدر ما كان يقرب المأمومين
من شدة معاني الآيات .
اذا بلغت المسجد , تقف عيناك مشدودتان أمام الساحة الرحبة الفسيحة , وقد امتلأت عن آخرها
بالناس , مهرجان السيرات والدراجات لايقل عن وفود المصلين الآتين من كل حدب وصوب , ذكورا
اناثا , كبارا صغارا , باعة العصير والفواكه , تجار الكتب والملابس التقليدية , كنت أحس حقا أن
كل يوم هناك عيد . كل شيء يحيل على أننا دولة اسلامية , لاتشم الا رائحة المسك والبخور ,
التي تنبعث من القنينات الصغيرة المركزة , رغم أنها كانت تخنقني في ذلك الوقت ان مررت
بأحد بالغ في تمريرها على ثيابه , لكنني أشتاق الى ذكراها الآن .
يخيل لك أن كل الدار البيضاء قد حجت الى هناك .
كنت وحدي بعد أن افترقت عن أبي حيث ترك دراجته النارية . كي أنتقل من هذا المكان الى
داخل مسجد النساء وأحضى بمكان مريح في الصفوف الأمامية , لم يكن بالأمر الهين , خصوصا
صغيرة مثلي . كنا نحاول الوصول قبل أذان العشاء لأن المهمة كانت صعبة بعض الشيء , لا
ييسرها الا برد شهر يناير .
في ليلة لاتنسى , تجاوزت الساحة الكبيرة وصعدت السلالم شيئا فشيئا بين زحام النساء ,
قريبا أصل الى حيث تلك النافذة , في طفولتي كان يعجبني دائما أن أطل من النوافذ , خصوصا
نوافذ الحافلات , لأني لم أكن أركبها الا نادرا . تمكنت من الوصول الى النافذة بعد عدة خطوات
قصيرة زاحفة بسبب اشتداد الزحام . دفع بي فضولي الطفولي الى الالتفات يمينا لأكتشف
الخارج من الأعلى , من داخل المسجد , لأتلقى الصعقة . .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق