أيها المعلم : لماذا أنت إنسان" محكور " ؟
فقط إحساس واحد دفعني " للكتابة" ،انه الإحساس الذي يسميه العامة "الحكرة " .وسأسرد على القارئ الكريم نموذجين شخصيين بسيطين من النماذج اللامتناهية للحكرة وللأوصاف الذميمة التي تطال هذا المخلوق الضعيف المسمى "معلم" .
الأول أني مؤخرا ،امتطيت حافلة من الحافلات المهترئة التي يصاب محركها طوال رحلتها بسعال حاد ،محرك ينبعث منه دخان خانق للأنفاس.اي واحدة من حافلات الأسطول المخصص للمغرب النائي والذي لا تشمله مراقبة وان حدث ذلك ، فتتمة الحكاية يعلمها الجميع. المهم أني كنت خلال بداية الرحلة محظوظا للغاية ،اذ استطعت الجلوس في احد المقاعد الأمامية التي غالبا ما تخصص للحسناوات أو للأقارب او لذوي النفوذ ....وأنا استرجع ذكريات ربع قرن قضيته محكورا كمعلم من مختلف أطياف المجتمع المغربي ، كنت أيضا شبه مرغم على سماع الحديث الدائر بين السائق ومساعده وموظف اعرف انه يعمل بمحكمة .اما موضوع النقاش فكان في ذلك اليوم الدركي المزور الذي تم اعتقاله صباح اليوم نفسه في احد الحواجز التي أقامها درك ازيلال.واتفق المتحاورون على أن الدركي كان يتحدث كثيرا عن عمل رجال الدرك وانه كان يفشي الأسرار المهنية ،فقال الموظف المذكور بالحرف : " وخا يكون عي معلم ما خصوش اكول اسرار المهنة " .اما النموذج الثاني ،وأنا أتعرف لأول مرة رفقة احد أفراد العائلة على بعض الأشخاص ،اخبرهم هذا الأخير عن حسن نية على مهنتي ،فقال لي احدهم :أتعرف بماذا ينعث المعلم في منطقتنا ؟اجبته بالنفي .انهم يسمونكم :" المصرانة الزايدة ".فقلت له :هل فعلا المعلم لا يصلح لأي شيء ؟واذا كان الأمر كذلك فمن علمك ان تمسك القلم وان تتعلم القراءة وان تنطق الكلمات بشكل سليم وان تعبر حواجز الجهل وان تنظف انفك و...،فصمت الشخص ،وعلمت انه ببغاء .
على القارئ الكريم ،ان يتخيل مدى الألم الذي انتابني حينما سمعت عبارة "وخا يكون عي معلم " .لان كل من سمع هذا الهجو سيستنتج بدون جهد كبير ان المعلم يقبع في أسفل الهرم وانه كائن مجهري او لنقل لاشيء .فلنسامح اخانا الموظف لأنه فقط أعاد كلاما يردده الجميع ،فكيف سيحترم المعلم وهو من تربى في مجتمع يحتقر المدرسة والمدرس .وهذه نتيجة عمل دؤوب لأياد خفية كانت تخطط وتعمل جادة منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي على نقل المدرس عموما من عصر الاحترام والازدهار والشرف والنبل إلى عصور الظلمات والانحطاط والقهر والحكرة .فجمدت أجرته وفتح له باب الاقتراض على مصراعيه ،وتم استيراد المناهج والبرامج لتوريطه وضعف تكوينه وأغلقت الآفاق في وجهه وفي وجوه تلامذته وأطلق عنان التنكيت حوله ،فنعت المعلم بأقبح صفات الشح والبخل دون سواه .ورآه العام والخاص في أقبح الصور كموظف بدون مأوى ولا ملبس ولا مشرب،بلا وسيلة نقل ،بلا تعويض ،بلا تكوين ،يعمل في حجرات قصديرية باردة شتاء وحارة صيفا ، السبورة السوداء من أمامه والكلاب الضالة من وراءه .فأنى للآخرين أن يحترموا مخلوقا بهذه الأوصاف ؟ ولأنهم يعرفون جيدا مدى قدرة وسائل الإعلام على السيطرة على العقول ،فقد جندوا وسائل الإعلام كبعض الجرائد (نقرا مثلا في جريدة المساء مقالا بعنوان "لا ترسلوا ابنائكم الى المدارس " لان فيها بوعو)وبعض القنوات وعلى رأسها القناتين الأولى والثانية، لنقل كل الأخبار السيئة عن المعلم ،فشاهده الجميع ومن بينهم الموظف السالف الذكر، يقضي سنوات في كهف، ويرمي الأطفال من الطوابق ويمارس الشذوذ ويركب البغال والحمير ويتغيب عن عمله ويرتكب أخطاء إملائية ويعلم الأرنبات وداك شي للأبرياء...والكل يعلم تتمة الحكاية . بل وجميع الوزراء بمن فيهم السيد الوزير الحالي يربطون فشل النظام التعليمي المغربي بالمدرس ،اسوة بالمثل الشعبي القائل :"طاحت الصومعة ،علقوا الحجام ". اوى زيدوا علقوا باباه .
اخي الموظف السالف الذكر صاحب القولة المشهورة " وخا يكون عي معلم " ،هل تعلم ان المعلم الذي تحتقره ليس الا جزءا من الكل ،ليس الا عنصرا منفذا ،مسيرا ،أغلق باب الاجتهاد والمبادرة وإبداء الرأي في وجهه منذ عقود من الزمن . إنسان محكور دار عليه الزمان وأصبح منديلا تمسح به كل الأوساخ . واحتقار المعلم في بلدنا دون غيره من البلدان لا يقتصر على عامة الناس مثلك ،بل يشمل أصحاب القرار ،الذين يوهموننا كل عشر سنوات بالإصلاح ،اذ يضعون الكم في الأولويات عوض الكيف المنتج . وجعلوا بذلك مدرستنا تتيه وسط النسب والأرقام عوض الإشعاع والتميز ،فأدار المواطن ظهره إليها.وفرضوا على المعلم استعمال زمن من ثلاثين ساعة دون غيره من الأسلاك الأخرى ،إضافة الى تنظيف الحجرة الدراسية وحراسة التلاميذ والإشراف على المطعم المدرسي وغيرها من الأوامر الأخرى.فأنى لك ولغيرك ان تعلم قيمة هذه المهنة في ظل ما ذكر؟
في ظل الحكرة التي تطال المعلم سواء من أقرباءه في السلم الإداري او من خارج أسوار المدرسة،فليعلم الجميع ا ن اي إصلاح مهما كان نوعه لن يتذوق حلاوة النجاح الا برفع الحيف والحكرة التي تطال المعلم.لان النظرة المتدنية لمهنة التعليم ،تجعل المعلم يفقد ثقته في نفسه وفي مهنته كما هو الوضع اليوم،وهذا ينعكس سلبا على إعداد أجيال الغد . والمعلم سيظل دوما هو المسؤول الأول والمباشر عن إعداد رجال المستقبل .وليتذكر الجميع ان الشعوب التي لا تحترم مدرستها منتهية لا محالة إلى مزبلة التعفن ،لان التربية ،كما قال الغيورون على بلدهم هي الحاجة الأولى للشعوب بعد الخبز . والدليل ان المعلم في جميع الدول المتقدمة يحظى بمكانة متميزة اعترافا وتقديرا منها لعمله النبيل .ونمور اسيا هي خير مثال لتوظيف التعليم من اجل التنمية وبناء المجتمع المعاصر المتقدم . فلا تقوموا لنا ولا تبجلونا ،فقط ارفعوا عنا سيف الحكرة المسلط على رقابنا .وختام كلمتي سيكون على لسان الإمام الغزالي الذي قال :" المعلم متصرف قي قلوب البشر ونفوسهم ،وهو يمارس اشرف الصناعات ".ولا يلومنني احد في كل ما ذكرت لأني "عي معلم...عي معلم ...عي معلم...."
الأستاذ علي
فقط إحساس واحد دفعني " للكتابة" ،انه الإحساس الذي يسميه العامة "الحكرة " .وسأسرد على القارئ الكريم نموذجين شخصيين بسيطين من النماذج اللامتناهية للحكرة وللأوصاف الذميمة التي تطال هذا المخلوق الضعيف المسمى "معلم" .
الأول أني مؤخرا ،امتطيت حافلة من الحافلات المهترئة التي يصاب محركها طوال رحلتها بسعال حاد ،محرك ينبعث منه دخان خانق للأنفاس.اي واحدة من حافلات الأسطول المخصص للمغرب النائي والذي لا تشمله مراقبة وان حدث ذلك ، فتتمة الحكاية يعلمها الجميع. المهم أني كنت خلال بداية الرحلة محظوظا للغاية ،اذ استطعت الجلوس في احد المقاعد الأمامية التي غالبا ما تخصص للحسناوات أو للأقارب او لذوي النفوذ ....وأنا استرجع ذكريات ربع قرن قضيته محكورا كمعلم من مختلف أطياف المجتمع المغربي ، كنت أيضا شبه مرغم على سماع الحديث الدائر بين السائق ومساعده وموظف اعرف انه يعمل بمحكمة .اما موضوع النقاش فكان في ذلك اليوم الدركي المزور الذي تم اعتقاله صباح اليوم نفسه في احد الحواجز التي أقامها درك ازيلال.واتفق المتحاورون على أن الدركي كان يتحدث كثيرا عن عمل رجال الدرك وانه كان يفشي الأسرار المهنية ،فقال الموظف المذكور بالحرف : " وخا يكون عي معلم ما خصوش اكول اسرار المهنة " .اما النموذج الثاني ،وأنا أتعرف لأول مرة رفقة احد أفراد العائلة على بعض الأشخاص ،اخبرهم هذا الأخير عن حسن نية على مهنتي ،فقال لي احدهم :أتعرف بماذا ينعث المعلم في منطقتنا ؟اجبته بالنفي .انهم يسمونكم :" المصرانة الزايدة ".فقلت له :هل فعلا المعلم لا يصلح لأي شيء ؟واذا كان الأمر كذلك فمن علمك ان تمسك القلم وان تتعلم القراءة وان تنطق الكلمات بشكل سليم وان تعبر حواجز الجهل وان تنظف انفك و...،فصمت الشخص ،وعلمت انه ببغاء .
على القارئ الكريم ،ان يتخيل مدى الألم الذي انتابني حينما سمعت عبارة "وخا يكون عي معلم " .لان كل من سمع هذا الهجو سيستنتج بدون جهد كبير ان المعلم يقبع في أسفل الهرم وانه كائن مجهري او لنقل لاشيء .فلنسامح اخانا الموظف لأنه فقط أعاد كلاما يردده الجميع ،فكيف سيحترم المعلم وهو من تربى في مجتمع يحتقر المدرسة والمدرس .وهذه نتيجة عمل دؤوب لأياد خفية كانت تخطط وتعمل جادة منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي على نقل المدرس عموما من عصر الاحترام والازدهار والشرف والنبل إلى عصور الظلمات والانحطاط والقهر والحكرة .فجمدت أجرته وفتح له باب الاقتراض على مصراعيه ،وتم استيراد المناهج والبرامج لتوريطه وضعف تكوينه وأغلقت الآفاق في وجهه وفي وجوه تلامذته وأطلق عنان التنكيت حوله ،فنعت المعلم بأقبح صفات الشح والبخل دون سواه .ورآه العام والخاص في أقبح الصور كموظف بدون مأوى ولا ملبس ولا مشرب،بلا وسيلة نقل ،بلا تعويض ،بلا تكوين ،يعمل في حجرات قصديرية باردة شتاء وحارة صيفا ، السبورة السوداء من أمامه والكلاب الضالة من وراءه .فأنى للآخرين أن يحترموا مخلوقا بهذه الأوصاف ؟ ولأنهم يعرفون جيدا مدى قدرة وسائل الإعلام على السيطرة على العقول ،فقد جندوا وسائل الإعلام كبعض الجرائد (نقرا مثلا في جريدة المساء مقالا بعنوان "لا ترسلوا ابنائكم الى المدارس " لان فيها بوعو)وبعض القنوات وعلى رأسها القناتين الأولى والثانية، لنقل كل الأخبار السيئة عن المعلم ،فشاهده الجميع ومن بينهم الموظف السالف الذكر، يقضي سنوات في كهف، ويرمي الأطفال من الطوابق ويمارس الشذوذ ويركب البغال والحمير ويتغيب عن عمله ويرتكب أخطاء إملائية ويعلم الأرنبات وداك شي للأبرياء...والكل يعلم تتمة الحكاية . بل وجميع الوزراء بمن فيهم السيد الوزير الحالي يربطون فشل النظام التعليمي المغربي بالمدرس ،اسوة بالمثل الشعبي القائل :"طاحت الصومعة ،علقوا الحجام ". اوى زيدوا علقوا باباه .
اخي الموظف السالف الذكر صاحب القولة المشهورة " وخا يكون عي معلم " ،هل تعلم ان المعلم الذي تحتقره ليس الا جزءا من الكل ،ليس الا عنصرا منفذا ،مسيرا ،أغلق باب الاجتهاد والمبادرة وإبداء الرأي في وجهه منذ عقود من الزمن . إنسان محكور دار عليه الزمان وأصبح منديلا تمسح به كل الأوساخ . واحتقار المعلم في بلدنا دون غيره من البلدان لا يقتصر على عامة الناس مثلك ،بل يشمل أصحاب القرار ،الذين يوهموننا كل عشر سنوات بالإصلاح ،اذ يضعون الكم في الأولويات عوض الكيف المنتج . وجعلوا بذلك مدرستنا تتيه وسط النسب والأرقام عوض الإشعاع والتميز ،فأدار المواطن ظهره إليها.وفرضوا على المعلم استعمال زمن من ثلاثين ساعة دون غيره من الأسلاك الأخرى ،إضافة الى تنظيف الحجرة الدراسية وحراسة التلاميذ والإشراف على المطعم المدرسي وغيرها من الأوامر الأخرى.فأنى لك ولغيرك ان تعلم قيمة هذه المهنة في ظل ما ذكر؟
في ظل الحكرة التي تطال المعلم سواء من أقرباءه في السلم الإداري او من خارج أسوار المدرسة،فليعلم الجميع ا ن اي إصلاح مهما كان نوعه لن يتذوق حلاوة النجاح الا برفع الحيف والحكرة التي تطال المعلم.لان النظرة المتدنية لمهنة التعليم ،تجعل المعلم يفقد ثقته في نفسه وفي مهنته كما هو الوضع اليوم،وهذا ينعكس سلبا على إعداد أجيال الغد . والمعلم سيظل دوما هو المسؤول الأول والمباشر عن إعداد رجال المستقبل .وليتذكر الجميع ان الشعوب التي لا تحترم مدرستها منتهية لا محالة إلى مزبلة التعفن ،لان التربية ،كما قال الغيورون على بلدهم هي الحاجة الأولى للشعوب بعد الخبز . والدليل ان المعلم في جميع الدول المتقدمة يحظى بمكانة متميزة اعترافا وتقديرا منها لعمله النبيل .ونمور اسيا هي خير مثال لتوظيف التعليم من اجل التنمية وبناء المجتمع المعاصر المتقدم . فلا تقوموا لنا ولا تبجلونا ،فقط ارفعوا عنا سيف الحكرة المسلط على رقابنا .وختام كلمتي سيكون على لسان الإمام الغزالي الذي قال :" المعلم متصرف قي قلوب البشر ونفوسهم ،وهو يمارس اشرف الصناعات ".ولا يلومنني احد في كل ما ذكرت لأني "عي معلم...عي معلم ...عي معلم...."
الأستاذ علي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق