الثلاثاء، 11 فبراير 2014

الواقع السياسي في مصر بعد الانقلاب






تثبت الوقائع التي تعرفها مصر منذ الانقلاب العسكري أن جزءا من الشعب لم يتمثل الديمقراطية بعد، وهذا مأزق الثورة، إذ كيف تكون الديمقراطية مطلبا ثوريا في ظل عدم استيعابه من لدن فئات من الناس؟



تدبير الخلاف هو إحدى غايات إرساء الديمقراطية، لكن الأمر في مصر لم يعد يتعلق بتدبير الخلاف فحسب، بل يتعلق بكل أشكال التعبير السياسي. وما حدث في الآونة الأخيرة لا يمكن أن يمر دون ملاحظة:



ـ الحملة المؤيدة لترشح قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي تجاوزت كل ما تعارف عليه الناس في بلدان العالم. الناس بدأوا الحملة بخطاب يتوسل إلى السيسي كي يترشح، مما يتنافى مع أبسط المبادئ الديمقراطية. فالذي يسعى إلى المنصب هو الذي يترشح وعليه أن يقنع الناس الذين سيكونون في ما بعد قادرين على مساءلته. وفوق ذلك، هو خطاب فارغ من أي بعد إنساني أو أخلاقي أو سياسي، إذ لا يحمل أي مطالب سياسية أو مطالب أخرى تتعلق بإنشاء دولة المؤسسات بدل شكل الدولة الذي ساد في مصر لعقود من الزمن. ويبدو أن الذين يريدون السيسي يريدونه لشخصه الذي ترسخ في اللاشعور ككائن فريد.



لكن أسوأ ما تخلل هذه الحملة هو الإتيان بأطفال في تظاهرة وقد وضعت على رؤوسهم أحذية العسكر. وإذا كان الكبار يرضون هذا لأنفسهم، فليس هناك داع لاقتراف هذه الجريمة في حق الطفولة. ظاهر أن من كانوا وراء هذه الجريمة يريدون أن يبعثوا رسالة مفادها أنهم سيتكفلون بالجيل القادم، وسيصنعون منه جيلا بدون كرامة، وهي بالضبط ـ أي الكرامة ـ ما كنت تطالب به ثورة 25 يناير.



وفي ظل الدعوة إلى ترشح السيسي أيضا، قام أحد المحامين بوضع لائحة من المرشحين المفترضين الذين ينبغي منعهم من الترشح للانتخابات الرئاسية، ومن بين أسباب منع أحدهم، وهو الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب "مصر القوية"، أنه صوت ب"لا" على الدستور.



هذه هي الثقافة السياسية الجديدة التي جاء الانقلاب لترسيخها: لا برامج ولا تنافس ولا رأي آخر. وقد لا تجد هذه السياسة صعوبة في فرض نفسها في ظل وجود هذا المحامي ومن هو على شاكلته، ممن يعملون من أجل العودة إلى أرقام 99 في المائة و100 في المائة. ويمكن تفسير هذا أن فئات من المصريين تمانع ضد أي تحول نحو الديمقراطية.



ـ قبل بضع سنوات، قام أحد المحامين برفع دعوى قضائية من أجل تطليق الدكتور نصر حامد أبو زيد من زوجته. وكان المبرر آنذاك أن زوجته لم تعد تحل له لأنه خلع ربقة الإسلام من عنقه من جراء ما كتبه في بعض أبحاثه.



في ذلك الوقت، ارتفعت أصوات كثيرة تندد بما أقدم عليه المحامي المذكور وتعلن تضامنها مع نصر حامد أبو زيد ضد الإرهاب الفكري الذي صار يهدد البلد، وتستنكر الوصاية التي يحاول البعض ممارستها على حرية الناس في التفكير والاعتقاد والاجتهاد، إذ كيف يسمح البعض لأنفسهم بالتدخل بين الرجل وزوجته في إحدى أخص الخصوصيات؟



وقبل أيام، تكلم رجل يشتغل بالفقه والدعوة والخطابة في المسجد نهارا، وبالإعلام التلفزيوني ليلا، على إحدى القنوات المصرية المؤيدة للانقلاب ( وهل هناك قناة غير مؤيدة له؟) وقال أنه يجب التفريق بين الزوجين إذا كان أحدهما ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين أو يتعاطف معها. و هذا الموقف يشبه كثيرا ما كانت تقوم به محاكم التفتيش في أوربا في زمن سابق، ويشبه ما كان معروفا في أوربا ب"مطاردة الساحرات". والحقيقة أن كل امرأة كان مغضوبا عليها لسبب من الأسباب كانت تتهم بتعاطي السحر، وكانت التهمة بمثابة تهييج لمشاعر الناس الذين كانوا تحت تأثير الكنيسة، فيسعون إلى مطاردتها وقتلها وتعليق جثتها. ولم تكد تمضي إلا أيام قلائل حتى عاد نفس الفقيه بفتوى جديدة أعلن فيها بوضوح تام أن البيع والشراء والمعاملات الأخرى مع الإخوان حرام شرعا.



هذا أسوأ نموذج يمكن أن تكون عليه دولة ما، أي أن تكون الدولة متمركزة حول شخص بقدرات متخيلة، وأن يكون الخلاف مقدمة لاجتثات الآخر، والمؤسف أن التكفير المرفوض من طرف السياسيين والحقوقيين وغيرهم أصبح الآن في مصر تكفيرا مؤسساتيا، يرعاه النظام الانقلابي وتطلقه المؤسسة الدينية على لسان جمعة الذي طالب بقتل الإخوان ووصفهم بأنهم من أهل النار، وعلى لسان فقيه التلفزيون المذكور.



بقلم: روبن هود





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق