السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
( آداب المساجد ) للشيخ : ( محمد المنجد )
المساجد بيوت الله، التي يسبح له فيها بالغدو والآصال. لهذا كان لابد من صيانتها والمحافظة على نظافتها، والتأدب بآدابها، والاستنان بسننها. وفي هذا الدرس ذكر لكثير من آدابها التي لابد من التأدب بها وتطبيقها.
من آداب المسجد: الخروج على أحسن هيئة آداب المساجد للشيخ محمد المنجد
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين... وبعد:
ففي هذه الحلقة من سلسلة الآداب الشرعية المجموعة الثانية، سنتحدث إن شاء الله تعالى عن آداب حضور المساجد.
لما كانت الصلاة جماعة في بيتٍ من بيوت الله عز وجل من واجبات الدين، وسنن الهدى، كان لا بد للمسلم أن يعرف كيف يأتي المسجد ويتأدب مع بيوت الله عز وجل.. هذه المساجد التي أذن الله سبحانه وتعالى أن ترفع ويذكر فيها اسمه، لكي آداب المساجد للشيخ محمد المنجديُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ آداب المساجد للشيخ محمد المنجد[النور:36-37].
والأدب الأول من آداب حضور المساجد: هو الخروج على أحسن هيئة، ومن هنا وجبت طهارة البدن والثوب، وكانت الطهارة من الأحداث والأنجاس شرطاً لصحة الصلاة، وكثير من المصلين لا يهتم أو يلقي بالاً لحضور المساجد بالهيئة الحسنة، وأخذ الزينة الظاهرة، والرائحة الطيبة والسواك، والزينة الظاهرة يراد بها جمال الثياب، فينبغي للمصلي أن يلبس عند مناجاة ربه أحسن ثيابه في صلواته من غير تفريق بين صلاة ليلية أو نهارية، صلاة فجر أو غيرها؛ لقوله تعالى: آداب المساجد للشيخ محمد المنجديَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ آداب المساجد للشيخ محمد المنجد [الأعراف:31].
وأهل العلم يستحبون للرجل أن يتجمل في صلاته ما استطاع من ثيابه وطيبه وسواكه، كما قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: وأما الذين يأتون إلى المسجد في هيئة رثة، ورائحة كريهة، وثياب المهنة، ورداء العمل، وملابس النوم؛ فلا شك أن هؤلاء لم يكلفوا أنفسهم الاعتناء بأخذ الأدب اللازم في بيوت الله تعالى، وهم قد خالفوا قول الله: آداب المساجد للشيخ محمد المنجديَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ آداب المساجد للشيخ محمد المنجد [الأعراف:31].
فيتأذى المصلون بالرائحة، وتزكم الأنوف بالنتن والعرق، ولو أن الإنسان أراد مقابلة شخص له جاه دنيوي لم يأتِ بهذه الملابس، بل إنه يرتدي أحسن ثيابه، ويتطيب بأحسن ما يجد، فكيف يهتم للوقوف أمام المخلوق، ولا يهتم بالوقوف أمام الخالق، ثم إن لقاء المصلين، واجتماع إخوانه لا بد أن يكون فيه ما يفتح نفوسهم للقيا أخيهم، فإذا جاء بلباس غير حسن، فكيف تكون الألفة والإقبال؟
ثم أيضاً هناك نفر من عباد الله وهم الملائكة يتأذون مما يتأذى منه بنو آدم، وبعض الناس لا يكلفون أنفسهم تبديل ثياب النوم عند المجيء إلى صلاة الفجر، ولا يحملون عناء تبديلها، وربما أحياناً يخافون على الثياب أن تتأثر طياتها، ويتبدل صقلها؛ فيتركونها للعمل، وأما بيوت الله فلا يحدث لها ما يجب من الزينة.
ومن الزينة ستر العاتق، ومعلوم أن ستر العاتقين ليسا من ستر العورة، وأن العورة ليس منها العاتق، وقد قال عليه الصلاة والسلام (لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد وليس على عاتقه شيء)، وفي رواية: (على عاتقيه) وإذا ثبت أن العاتقين ليس من العورة، فمعنى ذلك أن الأمر بسترهما ليس من شروط الصلاة، ولكن من أدب الصلاة، والمذهب عند أصحاب الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن كشف المنكبين يبطل الصلاة، وذهب الجمهور إلى الاستحباب، ومن الخطأ ما يفعله بعض المصلين عندما يصلي بهذه القمصان (الشيالة) التي لا يستر الكتفين منها إلا شيء يسير، فهذا لا يعتبر مطبقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم في ستر العاتقين.
وأما بالنسبة لستر الرأس؛ فإن الله عز وجل أحق أن يتزين له، كما جاء في الحديث: (الله أحق أن يتزين له) فإذا كان الإنسان في بلد يتزين أهله بتغطية رءوسهم كهذا البلد؛ فإنه يتأكد في حقه تغطية الرأس، لأن عرف الناس في البلد تغطية رءوسهم، ليس هذا واجباً ولا يأثم بكشف الرأس، لكن يجري على فهم أهل بلده أنه من الزينة، وما تعارفوا عليه في هذا القضية؛ لأن قوله: آداب المساجد للشيخ محمد المنجدخُذُوا زِينَتَكُمْ آداب المساجد للشيخ محمد المنجد [الأعراف:31] يشمل -أيضاً- الزينة العرفية التي تعارف عليها الناس، ولكن لو كنت في بلد لا يهتمون بتغطية رءوسهم أو جلهم لا يغطون رءوسهم، فعند ذلك لا يمكن تحديد حكم شرعي في تغطية الرأس في هذه الحالة في هذا البلد الذي لم يتعارفوا فيه على تغطية رءوسهم، لكن عادة المسلمين من القديم تغطية الرأس، وكانوا يضعون العمائم.
وكذلك من الأدب أن الإنسان لا يُغطي فاه في الصلاة، كما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن يغطي الرجال فاه في الصلاة) وليس من الزينة تغطية الفم والتلثم، وتخصيص الفم بالنهي عن تغطيته، ولعل من أسباب ذلك: ألا تختنق الحروف في أثناء القراءة في الصلاة، بالإضافة إلى أن ذلك ليس من الزينة، فمن الخطأ أن يحضر الإنسان عند أناس ويغطي فمه في اجتماع حافل، لأنه ليس من الزينة.
من آداب المسجد: أن يكون طيب الرائحة آداب المساجد للشيخ محمد المنجد
وكذلك مما يتعلق بآداب حضور المساجد أن يكون الإنسان طيب الرائحة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (من أكل من هذه الشجرة، فلا يقربن مصلانا ولا يغشانا في مساجدنا)، وفي رواية: (من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما تتأذى منه بنو آدم).
وهذه النصوص الصريحة تدل على أن الرائحة الطيبة لا بد منها لمن أراد حضور المسجد بالمفهوم، وتدل بمنطوقها على أن من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً؛ فهو مأمور باعتزال مساجد المسلمين وجماعتهم، ومأمور بالجلوس في منزله، وهو قد فوَّت على نفسه بأكل الثوم والبصل فضيلة وأجر الجماعة، وإباحة أكل هذه الأشياء لا يدل على عدم وجوب حضور الجماعة، لكن يدل على عدم جواز إتيان الجماعة لمن أكلها.
وأيضاً يقال: من أكل الثوم والبصل قاصداً التحيل على إسقاط الجماعة أو عدم حضور الجماعة، فيكون آثماً بهذه الحالة، ولكن لو اشتهته نفسه، فأكل دون قصد التحيل على عدم حضور المسجد فلا بأس بذلك، لكن يكون قد حرم نفسه من أجر صلاة الجماعة، وهذا النهي ليس خاصاً بالجزء الداخل من المسجد، بل إن رحبة المسجد وساحة المسجد يشملها هذا الحكم أيضاً، لأنها من المسجد، فلا يدخل فيها وقد أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً.
وقد جاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال: [أيها الناس! إنكم تأكلون من شجرتين ما أراهما إلا خبيثتين: هذا البصل والثوم، ولقد رأيت نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع] ليس إلى رحبة المسجد ولا إلى الساحة، ولا إلى الباب، لكن إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخاً، وإذا كان هذا في البصل والثوم والكراث وهي في الأصل مباحة فكيف بشرب الدخان! لا شك أن ذلك يكون حراماً، وإثمه في إيذاء عباد الله من الملائكة والمصلين معلوم وواضح، وكيف يؤذي إخوانه في مساجدهم، وبرائحة هذا المشروب الخبيث!
من آداب المسجد: التسوك آداب المساجد للشيخ محمد المنجد
ومن آداب حضور المساجد التسوك؛ لأنه تنظيف للفم مما علق به من الروائح الكريهة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).. (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب) وثبت أنه يفوق فرشات الأسنان والمعجون من ناحية الصحة، ولو استخدم أموراً أخرى غير السواك من الفرشاة فلا بأس؛ فقد أدى جزءاً من المقصود ولا شك.
من آداب المسجد: التبكير والمسارعة آداب المساجد للشيخ محمد المنجد
ومن آداب حضور المساجد: التبكير إليها، وانتظار إقامة الصلاة، والاشتغال بالذكر والنوافل، قال تعالى: آداب المساجد للشيخ محمد المنجدوَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ آداب المساجد للشيخ محمد المنجد[آل عمران:133]، وقال في مدح صفوة عباده الصالحين: آداب المساجد للشيخ محمد المنجدإنْهم كَانوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ آداب المساجد للشيخ محمد المنجد[المؤمنون:61].
وهذه المسابقة تكون حسية وتكون معنوية لا حسية، والمسابقة على الأقدام حساً تقتضي الجري والسرعة، ولكن الجري هنا والسرعة ممنوعان لحديث آخر، فلم يبق إلا أن تكون بمعنى الشغل ومراقبة الوقت، والمبادرة والتبكير، وليس معنى: (سارعوا) أي: عليكم بالجري، كلا.
وقد كان السلف رحمهم الله يهتمون بذلك جداً، وكانوا يشتاقون إلى الصلاة وقلوبهم متعلقة بالمساجد، قال عدي بن حاتم رضي الله عنه: [ما دخل وقت صلاة قط إلا وأنا أشتاق إليها]، وقال: [ما أ قيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء]، وكذلك قال سعيد بن المسيب رحمه الله: [ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد]، وقال: [[ما سمعت تأذيناً في أهلي منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد] أردد معهم في المسجد، وما فاتته صلاة الجماعة أربعين سنة ولا نظر في أقفائهم، أي: ما نظر في قفا مصلي، ومعنى ذلك: أنه كان دائماً في الصف الأول.
وكان الأعمش رحمه الله من المحافظين على ذلك، حتى قال وكيع : اختلفت إليه قرابة سنتين فما رأيته يقضي ركعة، وكان قريباً من سبعين سنة، لم تفته التكبيرة الأولى.
وبشر بن الحسن كان يقال له: صفي؛ لأنه كان يلزم الصف الأول في مسجد البصرة خمسين عاماً.
وكان إبراهيم بن ميمون المروزي من الذين يمتهنون صياغة الذهب والفضة، فكان إذا رفع المطرقة فسمع النداء، ألقاها ولم يردها ولم يطرق بها.
ولا شك أن المبادرة إلى المساجد والتبكير إليها من الآداب العظيمة التي تسبب للإنسان أن يظله الله في ظله، وأنه في صلاة مادام ينتظر الصلاة، وأن الملائكة تصلي عليه وتستغفر له.
وكذلك فإن من آداب الحضور إلى المساجد الترديد مع الإقامة، وهذا يفوت كثيراً من المصلين، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إذا سمعتم المنادي يثوب بالصلاة، فقولوا مثلما يقول) والإقامة لا شك أنها أذان؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قال: (بين كل أذانين صلاة) فسمَّى الإقامة أذاناً، وقال: (إذا سمعتم النداء، فقولوا مثلما يقول المؤذن).
قال ابن حجر رحمه الله: "اُستدل به على مشروعية إجابة المؤذن في الإقامة".
وقول بعض الناس عند قول المقيم: "قد قامت الصلاة"، يقولون: أقامها الله وأدامها، وهذا مبني على حديث ضعيف فلا ينبغي أن تقال.
وكذلك من ثمار المبادرة والإسراع إلى المسجد: إدراك تكبيرة الإحرام، وقد جاء في الحديث الحسن، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك تكبيرة الإحرام، كتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق) وما معنى يدرك تكبيرة الإحرام؟
أي: أن يحضر تكبير الإمام ويشتغل عقبها بعقد صلاته.
إذاً: تدرك تكبيرة الإحرام بما يلي:
1- أن يكون قائماً في الصف عندما يكبر الإمام تكبيرة الإحرام.
2- أن يحرم بعده مباشرة، فإذا دخل المسجد والإمام قد كبر فلا يعتبر أنه قد أدرك تكبيرة الإحرام، وإذا وصل إلى الصف بعدما شرع الإمام في الفاتحة؛ لا يعتبر مدركاً تكبيرة الإحرام، ولا يدرك تكبيرة الإحرام إذا بقي واقفاً في الصف، بعدما يكبر الإمام وهو منشغل؛ لأن بعض الناس إذا كبر الإمام بقي منشغلاً في تعديل اللباس وعمل أشياء كثيرة، حتى يشرع الإمام في القراءة وهو ما كبر بعد.
إذاً: متى تحصل هذه الفضيلة وهذا الأجر؟
إذا كان قائماً في الصف، عندما يكبر الإمام للإحرام، وأحرم بعده مباشرة، عند ذلك نطلق عليه أنه أدرك تكبيرة الإحرام.
وبناءً على هذا فإن الذي يتم صلاة نافلة كتحية المسجد وقد كبر الإمام وشرع في القراءة وهو لم يقم بعد الصلاة، فإنه لا يعتبر أنه أدرك تكبيرة الإحرام، لكن إذا كان في آخر صلاته أتمها خفيفة.
ومن هنا يظهر وجه قول الذي ذهب إليه بعض أهل العلم أن الإنسان يقطع صلاته -إذا أقيمت الصلاة- فوراً، لكي يدرك تكبيرة الإحرام، لكن لو أخذ بالقول الآخر وأتمها خفيفة فله ذلك، إذا كان في آخر الصلاة، أما إذا كان في أولها أو وسطها، فإنه يقطعها مباشرة بغير سلام، وهذا يدل على أن التبكير يجعل تحية المسجد قبل الإقامة بفترة حتى يدرك تكبيرة الإحرام، لكن لو أنه تأخر ستكون تحية المسجد أو بعضها في وقت الإقامة، فلا يدرك تكبيرة الإحرام.
( آداب المساجد ) للشيخ : ( محمد المنجد )
المساجد بيوت الله، التي يسبح له فيها بالغدو والآصال. لهذا كان لابد من صيانتها والمحافظة على نظافتها، والتأدب بآدابها، والاستنان بسننها. وفي هذا الدرس ذكر لكثير من آدابها التي لابد من التأدب بها وتطبيقها.
من آداب المسجد: الخروج على أحسن هيئة آداب المساجد للشيخ محمد المنجد
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين... وبعد:
ففي هذه الحلقة من سلسلة الآداب الشرعية المجموعة الثانية، سنتحدث إن شاء الله تعالى عن آداب حضور المساجد.
لما كانت الصلاة جماعة في بيتٍ من بيوت الله عز وجل من واجبات الدين، وسنن الهدى، كان لا بد للمسلم أن يعرف كيف يأتي المسجد ويتأدب مع بيوت الله عز وجل.. هذه المساجد التي أذن الله سبحانه وتعالى أن ترفع ويذكر فيها اسمه، لكي آداب المساجد للشيخ محمد المنجديُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ آداب المساجد للشيخ محمد المنجد[النور:36-37].
والأدب الأول من آداب حضور المساجد: هو الخروج على أحسن هيئة، ومن هنا وجبت طهارة البدن والثوب، وكانت الطهارة من الأحداث والأنجاس شرطاً لصحة الصلاة، وكثير من المصلين لا يهتم أو يلقي بالاً لحضور المساجد بالهيئة الحسنة، وأخذ الزينة الظاهرة، والرائحة الطيبة والسواك، والزينة الظاهرة يراد بها جمال الثياب، فينبغي للمصلي أن يلبس عند مناجاة ربه أحسن ثيابه في صلواته من غير تفريق بين صلاة ليلية أو نهارية، صلاة فجر أو غيرها؛ لقوله تعالى: آداب المساجد للشيخ محمد المنجديَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ آداب المساجد للشيخ محمد المنجد [الأعراف:31].
وأهل العلم يستحبون للرجل أن يتجمل في صلاته ما استطاع من ثيابه وطيبه وسواكه، كما قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: وأما الذين يأتون إلى المسجد في هيئة رثة، ورائحة كريهة، وثياب المهنة، ورداء العمل، وملابس النوم؛ فلا شك أن هؤلاء لم يكلفوا أنفسهم الاعتناء بأخذ الأدب اللازم في بيوت الله تعالى، وهم قد خالفوا قول الله: آداب المساجد للشيخ محمد المنجديَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ آداب المساجد للشيخ محمد المنجد [الأعراف:31].
فيتأذى المصلون بالرائحة، وتزكم الأنوف بالنتن والعرق، ولو أن الإنسان أراد مقابلة شخص له جاه دنيوي لم يأتِ بهذه الملابس، بل إنه يرتدي أحسن ثيابه، ويتطيب بأحسن ما يجد، فكيف يهتم للوقوف أمام المخلوق، ولا يهتم بالوقوف أمام الخالق، ثم إن لقاء المصلين، واجتماع إخوانه لا بد أن يكون فيه ما يفتح نفوسهم للقيا أخيهم، فإذا جاء بلباس غير حسن، فكيف تكون الألفة والإقبال؟
ثم أيضاً هناك نفر من عباد الله وهم الملائكة يتأذون مما يتأذى منه بنو آدم، وبعض الناس لا يكلفون أنفسهم تبديل ثياب النوم عند المجيء إلى صلاة الفجر، ولا يحملون عناء تبديلها، وربما أحياناً يخافون على الثياب أن تتأثر طياتها، ويتبدل صقلها؛ فيتركونها للعمل، وأما بيوت الله فلا يحدث لها ما يجب من الزينة.
ومن الزينة ستر العاتق، ومعلوم أن ستر العاتقين ليسا من ستر العورة، وأن العورة ليس منها العاتق، وقد قال عليه الصلاة والسلام (لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد وليس على عاتقه شيء)، وفي رواية: (على عاتقيه) وإذا ثبت أن العاتقين ليس من العورة، فمعنى ذلك أن الأمر بسترهما ليس من شروط الصلاة، ولكن من أدب الصلاة، والمذهب عند أصحاب الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن كشف المنكبين يبطل الصلاة، وذهب الجمهور إلى الاستحباب، ومن الخطأ ما يفعله بعض المصلين عندما يصلي بهذه القمصان (الشيالة) التي لا يستر الكتفين منها إلا شيء يسير، فهذا لا يعتبر مطبقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم في ستر العاتقين.
وأما بالنسبة لستر الرأس؛ فإن الله عز وجل أحق أن يتزين له، كما جاء في الحديث: (الله أحق أن يتزين له) فإذا كان الإنسان في بلد يتزين أهله بتغطية رءوسهم كهذا البلد؛ فإنه يتأكد في حقه تغطية الرأس، لأن عرف الناس في البلد تغطية رءوسهم، ليس هذا واجباً ولا يأثم بكشف الرأس، لكن يجري على فهم أهل بلده أنه من الزينة، وما تعارفوا عليه في هذا القضية؛ لأن قوله: آداب المساجد للشيخ محمد المنجدخُذُوا زِينَتَكُمْ آداب المساجد للشيخ محمد المنجد [الأعراف:31] يشمل -أيضاً- الزينة العرفية التي تعارف عليها الناس، ولكن لو كنت في بلد لا يهتمون بتغطية رءوسهم أو جلهم لا يغطون رءوسهم، فعند ذلك لا يمكن تحديد حكم شرعي في تغطية الرأس في هذه الحالة في هذا البلد الذي لم يتعارفوا فيه على تغطية رءوسهم، لكن عادة المسلمين من القديم تغطية الرأس، وكانوا يضعون العمائم.
وكذلك من الأدب أن الإنسان لا يُغطي فاه في الصلاة، كما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن يغطي الرجال فاه في الصلاة) وليس من الزينة تغطية الفم والتلثم، وتخصيص الفم بالنهي عن تغطيته، ولعل من أسباب ذلك: ألا تختنق الحروف في أثناء القراءة في الصلاة، بالإضافة إلى أن ذلك ليس من الزينة، فمن الخطأ أن يحضر الإنسان عند أناس ويغطي فمه في اجتماع حافل، لأنه ليس من الزينة.
من آداب المسجد: أن يكون طيب الرائحة آداب المساجد للشيخ محمد المنجد
وكذلك مما يتعلق بآداب حضور المساجد أن يكون الإنسان طيب الرائحة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (من أكل من هذه الشجرة، فلا يقربن مصلانا ولا يغشانا في مساجدنا)، وفي رواية: (من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما تتأذى منه بنو آدم).
وهذه النصوص الصريحة تدل على أن الرائحة الطيبة لا بد منها لمن أراد حضور المسجد بالمفهوم، وتدل بمنطوقها على أن من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً؛ فهو مأمور باعتزال مساجد المسلمين وجماعتهم، ومأمور بالجلوس في منزله، وهو قد فوَّت على نفسه بأكل الثوم والبصل فضيلة وأجر الجماعة، وإباحة أكل هذه الأشياء لا يدل على عدم وجوب حضور الجماعة، لكن يدل على عدم جواز إتيان الجماعة لمن أكلها.
وأيضاً يقال: من أكل الثوم والبصل قاصداً التحيل على إسقاط الجماعة أو عدم حضور الجماعة، فيكون آثماً بهذه الحالة، ولكن لو اشتهته نفسه، فأكل دون قصد التحيل على عدم حضور المسجد فلا بأس بذلك، لكن يكون قد حرم نفسه من أجر صلاة الجماعة، وهذا النهي ليس خاصاً بالجزء الداخل من المسجد، بل إن رحبة المسجد وساحة المسجد يشملها هذا الحكم أيضاً، لأنها من المسجد، فلا يدخل فيها وقد أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً.
وقد جاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال: [أيها الناس! إنكم تأكلون من شجرتين ما أراهما إلا خبيثتين: هذا البصل والثوم، ولقد رأيت نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع] ليس إلى رحبة المسجد ولا إلى الساحة، ولا إلى الباب، لكن إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخاً، وإذا كان هذا في البصل والثوم والكراث وهي في الأصل مباحة فكيف بشرب الدخان! لا شك أن ذلك يكون حراماً، وإثمه في إيذاء عباد الله من الملائكة والمصلين معلوم وواضح، وكيف يؤذي إخوانه في مساجدهم، وبرائحة هذا المشروب الخبيث!
من آداب المسجد: التسوك آداب المساجد للشيخ محمد المنجد
ومن آداب حضور المساجد التسوك؛ لأنه تنظيف للفم مما علق به من الروائح الكريهة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).. (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب) وثبت أنه يفوق فرشات الأسنان والمعجون من ناحية الصحة، ولو استخدم أموراً أخرى غير السواك من الفرشاة فلا بأس؛ فقد أدى جزءاً من المقصود ولا شك.
من آداب المسجد: التبكير والمسارعة آداب المساجد للشيخ محمد المنجد
ومن آداب حضور المساجد: التبكير إليها، وانتظار إقامة الصلاة، والاشتغال بالذكر والنوافل، قال تعالى: آداب المساجد للشيخ محمد المنجدوَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ آداب المساجد للشيخ محمد المنجد[آل عمران:133]، وقال في مدح صفوة عباده الصالحين: آداب المساجد للشيخ محمد المنجدإنْهم كَانوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ آداب المساجد للشيخ محمد المنجد[المؤمنون:61].
وهذه المسابقة تكون حسية وتكون معنوية لا حسية، والمسابقة على الأقدام حساً تقتضي الجري والسرعة، ولكن الجري هنا والسرعة ممنوعان لحديث آخر، فلم يبق إلا أن تكون بمعنى الشغل ومراقبة الوقت، والمبادرة والتبكير، وليس معنى: (سارعوا) أي: عليكم بالجري، كلا.
وقد كان السلف رحمهم الله يهتمون بذلك جداً، وكانوا يشتاقون إلى الصلاة وقلوبهم متعلقة بالمساجد، قال عدي بن حاتم رضي الله عنه: [ما دخل وقت صلاة قط إلا وأنا أشتاق إليها]، وقال: [ما أ قيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء]، وكذلك قال سعيد بن المسيب رحمه الله: [ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد]، وقال: [[ما سمعت تأذيناً في أهلي منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد] أردد معهم في المسجد، وما فاتته صلاة الجماعة أربعين سنة ولا نظر في أقفائهم، أي: ما نظر في قفا مصلي، ومعنى ذلك: أنه كان دائماً في الصف الأول.
وكان الأعمش رحمه الله من المحافظين على ذلك، حتى قال وكيع : اختلفت إليه قرابة سنتين فما رأيته يقضي ركعة، وكان قريباً من سبعين سنة، لم تفته التكبيرة الأولى.
وبشر بن الحسن كان يقال له: صفي؛ لأنه كان يلزم الصف الأول في مسجد البصرة خمسين عاماً.
وكان إبراهيم بن ميمون المروزي من الذين يمتهنون صياغة الذهب والفضة، فكان إذا رفع المطرقة فسمع النداء، ألقاها ولم يردها ولم يطرق بها.
ولا شك أن المبادرة إلى المساجد والتبكير إليها من الآداب العظيمة التي تسبب للإنسان أن يظله الله في ظله، وأنه في صلاة مادام ينتظر الصلاة، وأن الملائكة تصلي عليه وتستغفر له.
وكذلك فإن من آداب الحضور إلى المساجد الترديد مع الإقامة، وهذا يفوت كثيراً من المصلين، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إذا سمعتم المنادي يثوب بالصلاة، فقولوا مثلما يقول) والإقامة لا شك أنها أذان؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قال: (بين كل أذانين صلاة) فسمَّى الإقامة أذاناً، وقال: (إذا سمعتم النداء، فقولوا مثلما يقول المؤذن).
قال ابن حجر رحمه الله: "اُستدل به على مشروعية إجابة المؤذن في الإقامة".
وقول بعض الناس عند قول المقيم: "قد قامت الصلاة"، يقولون: أقامها الله وأدامها، وهذا مبني على حديث ضعيف فلا ينبغي أن تقال.
وكذلك من ثمار المبادرة والإسراع إلى المسجد: إدراك تكبيرة الإحرام، وقد جاء في الحديث الحسن، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك تكبيرة الإحرام، كتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق) وما معنى يدرك تكبيرة الإحرام؟
أي: أن يحضر تكبير الإمام ويشتغل عقبها بعقد صلاته.
إذاً: تدرك تكبيرة الإحرام بما يلي:
1- أن يكون قائماً في الصف عندما يكبر الإمام تكبيرة الإحرام.
2- أن يحرم بعده مباشرة، فإذا دخل المسجد والإمام قد كبر فلا يعتبر أنه قد أدرك تكبيرة الإحرام، وإذا وصل إلى الصف بعدما شرع الإمام في الفاتحة؛ لا يعتبر مدركاً تكبيرة الإحرام، ولا يدرك تكبيرة الإحرام إذا بقي واقفاً في الصف، بعدما يكبر الإمام وهو منشغل؛ لأن بعض الناس إذا كبر الإمام بقي منشغلاً في تعديل اللباس وعمل أشياء كثيرة، حتى يشرع الإمام في القراءة وهو ما كبر بعد.
إذاً: متى تحصل هذه الفضيلة وهذا الأجر؟
إذا كان قائماً في الصف، عندما يكبر الإمام للإحرام، وأحرم بعده مباشرة، عند ذلك نطلق عليه أنه أدرك تكبيرة الإحرام.
وبناءً على هذا فإن الذي يتم صلاة نافلة كتحية المسجد وقد كبر الإمام وشرع في القراءة وهو لم يقم بعد الصلاة، فإنه لا يعتبر أنه أدرك تكبيرة الإحرام، لكن إذا كان في آخر صلاته أتمها خفيفة.
ومن هنا يظهر وجه قول الذي ذهب إليه بعض أهل العلم أن الإنسان يقطع صلاته -إذا أقيمت الصلاة- فوراً، لكي يدرك تكبيرة الإحرام، لكن لو أخذ بالقول الآخر وأتمها خفيفة فله ذلك، إذا كان في آخر الصلاة، أما إذا كان في أولها أو وسطها، فإنه يقطعها مباشرة بغير سلام، وهذا يدل على أن التبكير يجعل تحية المسجد قبل الإقامة بفترة حتى يدرك تكبيرة الإحرام، لكن لو أنه تأخر ستكون تحية المسجد أو بعضها في وقت الإقامة، فلا يدرك تكبيرة الإحرام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق