أقدم أحد الأساتذة مؤخرا على سلوك أرعن تمثل في تصويره لتلميذة يبدو أنها متعثرة دراسيا وهي عاجزة عن رسم العدد خمسة، وبكل موضوعية وتجرد، يبقى هذا السلوك ساذجا ومرفوضا ولا يمكن للمرء إلا أن يندد به ويشجبه لعلتين، أولاهما أنه يعتبر تشهيرا بالفتاة وقبل ذلك إحراجا لها وتهكما عليها أمام زملاء الفصل، وثانيهما أن مسألة التصوير لاتزال تثير نقاشات عمومية قوية حول سلامتها إن على المستوى الأخلاقي قبل الخوض في المستوى القانوني والتشريعي.
وللأسف، وصل هذا السلوك بصاحبه إلى أن يكون موضوعا ومادة دسمة لحملة شبه منظمة أوقدت نارها مواقع التواصل الإجتماعي، وانتهى به الأمر إلى كشف أموره وأوراقه الشخصية على الهواء، بغية استعطاف الإدارة ومعها الشارع بنية التكفير عن الخطأ الجسيم الذي صدر منه والصفح عنه، وضع كان ليكون زميلنا في غنى عنه لو أنه قدّر سلوكه حق التقدير.
من زاوية أخرى، لا يخفى على أحد أن مثل هذه المواقف بل وأسوء منها يقع في مؤسساتنا العمومية على اختلاف اختصاصاتها، فمشاهد السخرية والتهكم والاحتقار والشطط والألفاظ النابية والرشوة والإستغلال والتحرش يكون المرفق العمومي مسرحا لها بشكل يومي، سواء في المؤسسة التعليمية، الأمنية، الصحية، القضائية، الإصلاحية والخدماتية، في القطاع العمومي كما في الخصوصي، حقيقة لا ينكرها إلا جاحد أو جاهل.
يفترض أن يعلم الجميع أن نساء ورجال التعليم كانوا في مرحلة من المراحل مصدر "إزعاج" للدولة، وهو أمر طبيعي بالنظر إلى كونهم آنذاك يشكلون القاعدة الكبرى للطبقة المثقفة التي تنشد التغيير وتسعى إليه، أكثر من ذلك، فهي الفئة التي توغلت في أعماق الوسط القروي كما في المراكز الحضرية والتي يظل صوتها مسموعا مما يهدد مصالح نخب معينة.
أمام هذا الوضع، ارتأت الدولة خلال فترة معلومة سن سياسة "حصار" تلجم به وعي وجرأة نساء ورجال التعليم، عبر مداخل ثلاثة:
·الحصار الأمني: سعت الدولة خلال هذه المرحلة إلى شن اعتقالات في صفوف نساء ورجال التعليم وتقديمهم لمحاكمات، وكان يتم الإعتقال أحيانا من أبواب المؤسسات ترهيبا للزملاء وتشكيكا للمتعلمين في من يعتبرونه مثلهم الأعلى.
·الحصار المادي: بعد أن كانت أجرة نساء ورجال التعليم من أعلى الأجور، تمت محاصرتهم ماديا بشكل جعلهم يعجزون عن مسايرة إيقاع الحياة المادية، وبالتالي لجوئهم إلى القيام بأنشطة اقتصادية موازية ضدا على القانون، أو اللجوء إلى القروض، وحصر اهتماماتهم في الدرهم والدينار .
·الحصار الثقافي: تم تشويه سمعة نساء ورجال التعليم بشكل تدريجي وماكر، وتم تسخير الإعلام لفبركة صورة سوداوية عن هؤلاء عبر التشهير المقصود بالحالات المرضية، نفس الخطاب نجده في الإنتاجات الثقافية خصوصا المسرح والدراما التلفزيونية وفن "الحلقة"، كما اعتُمد أسلوب التنكيت كتكتيك يعرف إقبالا جماهيريا منقطع النظير للنيل من سمعة وصورة نساء ورجال التعليم.
سياسة لا تحتاج إلى كثير ذكاء للوقوف على حقيقتها وأبعادها المتشعبة، سياسة أنتجت جيلا من المغاربة يكنون شعورا لاواعيا وعداء نفسيا مرضيا لنساء ورجال التعليم، فتجدهم يكدون ويجدون في السخرية منهم، ولا يفوتون أدنى فرصة للتشهير والإستهزاء بهم وفضح أخطائهم الكبيرة والصغيرة، وعد مساوئهم في الزلات والعلات.
وحتى نكون موضوعيين مرة أخرى، لابد من الإشارة الى أن سيدة أو رجل التعليم نفسه – وهو أمر طبيعي بالنظر إلى كونه جزء من المغاربة ضحايا سياسة معاداة هذه الفئة- يكرس هذه الصورة الإختزالية، إذ تجد السواد الأعظم يعيشون فصاما حقيقيا يتجلى في احتقارهم لذواتهم قبل مهنتهم، فيركنون إلى التكاسل والسلبية داخل محيطهم، فيقلصون آفاقهم العلمية والثقافية بل ويسدونها بشكل تام، ويجعلون المادة أكبر همهم، والمقرر الدراسي مبلغ علمهم، والتطاول في البنيان حلمهم.
لا أخفيكم سرا أنه حز في نفسي كثيرا أن تشن هذه الحملة الشعواء ضد نساء ورجال التعليم من تلامذة الأمس، حملة ممنهجة تزيد الطين بلة وتؤزم الوضع أكثر، فبدل فتح نقاش عمومي حول هذه السلوكات المرضية التي يواجهها المغاربة في مرافقهم ومقرات عملهم بشكل علمي وموضوعي يتغيى الإصغاء إلى رجال علم النفس وعلم الإجتماع بشكل يسمح بتصحيح الأوضاع، شحذت جهات أسلحتها وكشرت عن أنيابها وأطلقت العنان للسب والشتم وإفراغ المكبوتات وتصفية الحسابات، في مشهد يبين وبالملموس أننا بعيدون كل البعد عن التناول الموضوعي للقضايا والتفكير العلمي الرصين في تعاطينا مع النوازل.
لقد كان على اصحاب ردود الفعل المتسرعة أن يتملكوا الشجاعة ويفصحوا لنا عمّا لحقهم ويلحقهم يوميا من أشكال الإمتهان في مؤسسات أخرى غير المؤسسات التعليمية، فنساء ورجال التعليم يبقون الحلقة الأضعف في مخيال هؤلاء، لذا يصبون عليهم سخطهم وينتقمون لضعفهم منهم، وعليهم يتجرؤون خوفا من غضبة رجال القطاعات الأخرى. ايها السادة كفوا عن التجني والإساءة إلينا وأنتم تعممون، فبتعميمكم للأحكام تزرعون العبث وتحجبون حقيقة الحالات الخاصة.
رسالة أود في الأخير أن أبلّغها لزميلاتي نساء وزملائي رجال التعليم، فلتعلموا أن رسالتكم نبيلة، ومكانتكم مرموقة، وسعيكم مشكور، فتحلّوْا بغير قليل من الكبرياء والكرامة، افرضوا أنفسكم على أغياركم بالعلم والمعرفة، انتقدوا ذواتكم قبل أن ينتقدكم غيركم، انضبطوا في أعمالكم وأحسنوا إلى تلاميذكم، كفوا عن الإساءة إلينا كما يفعل المتربصون، تأكدوا أنكم لستم مثل غيركم، فأنتم تبنون أجيالا وآخرون يقيّمون أعمالكم فاحرصوا على إتقان ما أنتم عليه مستأمنون ولتحذروا من يتربصون بزلاتكم.
وللأسف، وصل هذا السلوك بصاحبه إلى أن يكون موضوعا ومادة دسمة لحملة شبه منظمة أوقدت نارها مواقع التواصل الإجتماعي، وانتهى به الأمر إلى كشف أموره وأوراقه الشخصية على الهواء، بغية استعطاف الإدارة ومعها الشارع بنية التكفير عن الخطأ الجسيم الذي صدر منه والصفح عنه، وضع كان ليكون زميلنا في غنى عنه لو أنه قدّر سلوكه حق التقدير.
من زاوية أخرى، لا يخفى على أحد أن مثل هذه المواقف بل وأسوء منها يقع في مؤسساتنا العمومية على اختلاف اختصاصاتها، فمشاهد السخرية والتهكم والاحتقار والشطط والألفاظ النابية والرشوة والإستغلال والتحرش يكون المرفق العمومي مسرحا لها بشكل يومي، سواء في المؤسسة التعليمية، الأمنية، الصحية، القضائية، الإصلاحية والخدماتية، في القطاع العمومي كما في الخصوصي، حقيقة لا ينكرها إلا جاحد أو جاهل.
يفترض أن يعلم الجميع أن نساء ورجال التعليم كانوا في مرحلة من المراحل مصدر "إزعاج" للدولة، وهو أمر طبيعي بالنظر إلى كونهم آنذاك يشكلون القاعدة الكبرى للطبقة المثقفة التي تنشد التغيير وتسعى إليه، أكثر من ذلك، فهي الفئة التي توغلت في أعماق الوسط القروي كما في المراكز الحضرية والتي يظل صوتها مسموعا مما يهدد مصالح نخب معينة.
أمام هذا الوضع، ارتأت الدولة خلال فترة معلومة سن سياسة "حصار" تلجم به وعي وجرأة نساء ورجال التعليم، عبر مداخل ثلاثة:
·الحصار الأمني: سعت الدولة خلال هذه المرحلة إلى شن اعتقالات في صفوف نساء ورجال التعليم وتقديمهم لمحاكمات، وكان يتم الإعتقال أحيانا من أبواب المؤسسات ترهيبا للزملاء وتشكيكا للمتعلمين في من يعتبرونه مثلهم الأعلى.
·الحصار المادي: بعد أن كانت أجرة نساء ورجال التعليم من أعلى الأجور، تمت محاصرتهم ماديا بشكل جعلهم يعجزون عن مسايرة إيقاع الحياة المادية، وبالتالي لجوئهم إلى القيام بأنشطة اقتصادية موازية ضدا على القانون، أو اللجوء إلى القروض، وحصر اهتماماتهم في الدرهم والدينار .
·الحصار الثقافي: تم تشويه سمعة نساء ورجال التعليم بشكل تدريجي وماكر، وتم تسخير الإعلام لفبركة صورة سوداوية عن هؤلاء عبر التشهير المقصود بالحالات المرضية، نفس الخطاب نجده في الإنتاجات الثقافية خصوصا المسرح والدراما التلفزيونية وفن "الحلقة"، كما اعتُمد أسلوب التنكيت كتكتيك يعرف إقبالا جماهيريا منقطع النظير للنيل من سمعة وصورة نساء ورجال التعليم.
سياسة لا تحتاج إلى كثير ذكاء للوقوف على حقيقتها وأبعادها المتشعبة، سياسة أنتجت جيلا من المغاربة يكنون شعورا لاواعيا وعداء نفسيا مرضيا لنساء ورجال التعليم، فتجدهم يكدون ويجدون في السخرية منهم، ولا يفوتون أدنى فرصة للتشهير والإستهزاء بهم وفضح أخطائهم الكبيرة والصغيرة، وعد مساوئهم في الزلات والعلات.
وحتى نكون موضوعيين مرة أخرى، لابد من الإشارة الى أن سيدة أو رجل التعليم نفسه – وهو أمر طبيعي بالنظر إلى كونه جزء من المغاربة ضحايا سياسة معاداة هذه الفئة- يكرس هذه الصورة الإختزالية، إذ تجد السواد الأعظم يعيشون فصاما حقيقيا يتجلى في احتقارهم لذواتهم قبل مهنتهم، فيركنون إلى التكاسل والسلبية داخل محيطهم، فيقلصون آفاقهم العلمية والثقافية بل ويسدونها بشكل تام، ويجعلون المادة أكبر همهم، والمقرر الدراسي مبلغ علمهم، والتطاول في البنيان حلمهم.
لا أخفيكم سرا أنه حز في نفسي كثيرا أن تشن هذه الحملة الشعواء ضد نساء ورجال التعليم من تلامذة الأمس، حملة ممنهجة تزيد الطين بلة وتؤزم الوضع أكثر، فبدل فتح نقاش عمومي حول هذه السلوكات المرضية التي يواجهها المغاربة في مرافقهم ومقرات عملهم بشكل علمي وموضوعي يتغيى الإصغاء إلى رجال علم النفس وعلم الإجتماع بشكل يسمح بتصحيح الأوضاع، شحذت جهات أسلحتها وكشرت عن أنيابها وأطلقت العنان للسب والشتم وإفراغ المكبوتات وتصفية الحسابات، في مشهد يبين وبالملموس أننا بعيدون كل البعد عن التناول الموضوعي للقضايا والتفكير العلمي الرصين في تعاطينا مع النوازل.
لقد كان على اصحاب ردود الفعل المتسرعة أن يتملكوا الشجاعة ويفصحوا لنا عمّا لحقهم ويلحقهم يوميا من أشكال الإمتهان في مؤسسات أخرى غير المؤسسات التعليمية، فنساء ورجال التعليم يبقون الحلقة الأضعف في مخيال هؤلاء، لذا يصبون عليهم سخطهم وينتقمون لضعفهم منهم، وعليهم يتجرؤون خوفا من غضبة رجال القطاعات الأخرى. ايها السادة كفوا عن التجني والإساءة إلينا وأنتم تعممون، فبتعميمكم للأحكام تزرعون العبث وتحجبون حقيقة الحالات الخاصة.
رسالة أود في الأخير أن أبلّغها لزميلاتي نساء وزملائي رجال التعليم، فلتعلموا أن رسالتكم نبيلة، ومكانتكم مرموقة، وسعيكم مشكور، فتحلّوْا بغير قليل من الكبرياء والكرامة، افرضوا أنفسكم على أغياركم بالعلم والمعرفة، انتقدوا ذواتكم قبل أن ينتقدكم غيركم، انضبطوا في أعمالكم وأحسنوا إلى تلاميذكم، كفوا عن الإساءة إلينا كما يفعل المتربصون، تأكدوا أنكم لستم مثل غيركم، فأنتم تبنون أجيالا وآخرون يقيّمون أعمالكم فاحرصوا على إتقان ما أنتم عليه مستأمنون ولتحذروا من يتربصون بزلاتكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق