الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

تقييم المقاربة الإصلاحية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي

تقييم المقاربة الإصلاحية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي


كما هو معروف انطلق المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في فتح اوراش جمع المعلومات والأراء والاستشارات ذات الطابع التشخيصي والاستشرافي ،من اجل وضع استراتيجيته الإصلاحية،وتقديمها للرأي العام وللمؤسسات الرسمية المعنية بإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي.

ما يهمنا هنا ،أساسا،هو تحديد وتقييم المقاربة التي اعتمدها المجلس ومناقشتها وتقييمها من حيث فعاليتها وجودتها باعتماد معياريين أساسيين :الديمقراطية والعلمية.

إذا كان الدستور المغربي الجديد ينص على مسألة الاختيار والمنهجية الديمقراطيين في صناعة السياسات الرسمية على مستوى صناعة القرار والتدبير التنظيمي...فإلى أي حد طُبق هذا المعيار الديمقراطي في تشكيل المجلس ذاته؟وفي المقاربة الإصلاحية المعتمدة من طرف المجلس؟

الكل لا حظ أن المنهجية الديمقراطية لم تحترم بدقة وبشكل كبير، سواء في اختيار أعضاء وممثلي المجتمع المغربي في المجلس،حيث طغى منطق التعيين والاختيارالانتقائي والغامض من طرف جهات رسمية،وعدم تمثيل هيآت مدنية وشخصيات فاعلة ووازنة (مما أجج احتجاجات كثيرة على تشكيل المجلس)؛أو في تشكيل اللجان الدائمة؛أو في التمثيلة العددية لمختلف الهيئات والتوجهات حيث هناك تفاوت بينها،مما سيؤثر على توجيه وفرض قرارات وأراء المجلس.

أما فيما يخص المقاربة المعتمدة من طرف المجلس لصياغة تقريره الاستراتيجي حول إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي فكانت موفقة وديمقراطية إلى حد كبير،إذ اعتمدت المقاربة التشاركية والتشاورية مع فئات ممثلة نسبيا للمجتمع؛حيث اعتمد في ذلك على:جلسات استماع مع مجموعة من الفاعلين والمهتمين بقضايا التربية والتكوين والبحث العلمي،وعلى استطلاع رأي المدرسين،وعلى مساهمات الهيآت السياسية ا لحزبية( توصل فقط بمساهمة 18حزبا مما يعكس عدم اهتمام معظم الأحزاب البالغ عدد ها حوالي 35 حزبا بالشان التربوي)والنقابية والمجتمع المدني والمختصين(غياب ممثلي القطاع الاقتصادي)،وعلى الرؤية المستقبلية المقدمة من طرف وزراء قطاع التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي ووزارة الشؤون الإسلامية،وعلى التقرير التحليلي وتقييمي لتطبيق ميثاق التربية والتكوين(رغم أهميته البالغة نستغرب كفاعلين ومتتبعين ان المجلس لم ينشر تفاصيله على موقعه؟!)؛وعلى المنتدى الإلكتروني لموقع المجلس؛وأخيرا على الحوارات الجهوية لتأهيل منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي،حيث نشر موقع المجلس لحد الآن ( 25أكتوبر 2014،الساعة 11 ليلا) خلاصات وتقارير11 جهة،تراوح عدد المشاركين فيها مابين 119 و272(عدد التدخلات مابين 37و91،المساهمات الكتابية مابين 15و60).والملاحظ انه لم تُطبق المنهجية الديمقراطية بدقة في اختيار ممثلي الهيآت المشاركة في هذه المنتديات،سواء من طرف المجلس او من طرف جل الجهات التي خول لها الاختيار،أو من طرف جل هذه الهيآت نفسها،والتي لم تفتح نقاشات ومشاورات ديمقراطية مع أعضاء هذه الهيآت لبلورة رأيها المُقدم للمجلس.

أما من حيث المقاربة العلمية التي اعتمدها المجلس في تدبير وبلورة مشروعه الإصلاحي،فقد اعتمدت منهجيا على مدخلي التشخيص والاستشراف من خلال اعتماد تقنية تحليل المضمون والتقييم(تقارير،الميثاق...) وجمع المعلومات الميدانية والمقابلات والاستشارة ...وقد لا حظنا أن المجلس اعتمد لحد الآن في مرجعياته المعرفية على الميثاق وعلى المعلومات (التشخيص والاستشراف)المجمعة ميدانيا.نظن أن عليه أيضا الاعتماد على مختلف التقييمات الدولية والوطنية(خصوصا تقييمات المجلس في نسخته السابقة)،وعلى تقييم مشروع المخطط الإستعجالي(الذي تم السكوت على تقييمه البيداغوجي والمالي؟!)، كما انه لم يقم بتقييم بيداغوجي محين للمناهج والبرامج والطرق والنماذج البيداغوجية والكتب التربوية ولنظام التقييم والإشهاد ولتنظيم وتدبير الزمن المدرسي... ،وكذا تقييم مادي(بنيات تجهيزات...) وإداري وبشري للمنظومة الحالية.كما نتساءل علميا عن طبيعة العينة الممثلة للفئات المجتمعية(منها المشاركة في الحوار الجهوي) التي استهدفها المجلس في جمع بيانته الميدانية:هل هي كافية عددا ومساهمة في تمثيل كل الفئات الاجتماعية والمهنية؟وفي تغطية التمثيل الجغرافي الوطني والجهوي والمحلي؟وهل اختيار العينات كان مدروسا وفق منهجية علمية أم خضع للاختيار العشوائي والمتاح؟ وكل ذلك بالطبع سيؤثر على صدقية وعلمية البيانات المُجمعة.

كما أن المحاور المعتمدة في تشخيص واستشراف المنظومة في أفق إصلاحها ُحددت فقط في المحاور التالية:

التعميم والجودة والحق في التربية والتكوين،البرامج والمناهج والتكوينات،الفاعلون التربويون،حكامة المنظومة،القطاع الخاص للتربية والتكوين،البحث العلمي والابتكار وولوج مجتمع المعرفة،الأدوار الاجتماعية والثقافة والقيمية للمدرسة وعلاقتها بالمحيط،منهجية الإصلاح،قضايا وموضوعات جهوية ومحلية؛ وتم إغفال أو

تغييب بعض المحاور/المداخل الأساسية والاستراتيجية في أي إصلاح:كالفلسفة المجتمعية والتربوية والاختيارات والأهداف الكبرى والاستراتيجية ،وعلاقة منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي بالمشروع المجتمعي(حيث لحد الآن لا نمتلك كدولة مخططا استراتيجيا شموليا للمشروع المجتمعي في أبعاده الفردية والإجتماعية والاقتصادية والثقافية والمعرفية والقيمية..الذي نريد،والمُحدد في الزمان والمكان، والذي على أساسه نبني مشروعنا التربوي والتكويني للمدرسة والجامعة)؛وكذلك مسألة القرار التربوي في تحديد السياسات التربوية،من المؤهل لاتخاذه: العالم والمفكر والمتخصص والمهني ام السياسي؟أم التقنوقراطي؟وما مدى ديمقراطية واستقلالية القرار التربوي الوطني؟...

من الملاحظات والتساؤلات العامة التي يمكن تسجيلها على الحوار الجهوي لتأهيل المنظومة وعلى المجلس وعمله ككل:

أغلب على الحوارات الجهوية(عينة 11 جهة) الطابع المطلبي و التقني والتشخيصي السطحي والتعميمي في اقتراح الحلول(حيث لم يتم النفاذ إلى عمق الاختيارات والمنظومات والسياسات المسؤولة على اخلالات وأزمات المنظومة وتقديم الاقتراحات الأكثر فعالية وعلمية)،وهذا أمر طبيعي نظرا لطبيعة الأفراد والهيآت المشاركة،ونظرا لشكله التنظيمي(العرض،التدخلات) ؛مما يطرح أسئلة منهجية وجوهرية:من المؤهل لبلورة استراتيجية الإصلاح؟هل العلم أم الحس الفردي والعام؟ هل الخبير والعالم والمفكر؟أم البرغماتي: المهني والإنسان العامي والهيآت النقابية والسياسية...؟كيف يمكن تلبية طلبات وأراء مختلف الفئات المجتمعية المتعددة التوجهات والأهداف تربويا؟

هل المجلس سيلتزم بتبني كل الآراء والاختيارات المعبر عنها سواء في الحوارات الجهوية او تلك المقدمة من طرف الهيآت والأفراد ؟

وهل المجلس سيتجاوز،منهجيا،اعتماد المقاربة الوظيفية في الإصلاح(الحفاظ على النظام والنسق وإصلاح بعض أجزائه فقط) حيث يتحدث المجلس فقط على تأهيل المنظومة،أم سيعتمد منهجية نقدية جذرية تغير النظام بأكمله(منظومة التربية والتكوين والقيادات القديمة التي لازالت متحصنة في مواقعها)؟

عند نهاية هذا المارطون الطويل من عمل المجلس ببلورة استراتيجيته الإصلاحية، ما هي ضمانات إلزامية الحكومة السياسية بتنفيذها؟هل من الممكن تحديد علاقات مؤسساتية ملزمة بين المجلس والحكومة(غير تلك الواردة في الدستور)؟ وذلك من اجل ألا تذهب مجهودات وأموال المجلس سُدى(كما وقع في النسخة السابقة للمجلس)،ومن اجل تجاوز عبثية وشكلية وجود المجلس نفسه وتمارين الديمقراطية التشاركية.

محمد الصدوقي






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق