المرأة بيـن الإسلام والغرب
من المؤكد أن التعرف على الدوافع التي كانت وراء إسلام من أسلم من الغربيين، يمنحنا رؤية ثاقبة بحقائق ديننا، وعوامل تميّزه وتفرّده التي قد نجهلها -نحن الذين وُلدنا مسلمين- لطول الألفة والعشرة بها!
كما أن معرفة هذه الدوافع تقف بنا من ناحية أخرى، على عمق الأزمة التي أوصلت إليه الحضارةُ الغربية الإنسانَ المعاصر، وعلى النتائج الكارثية لهذه الحضارة المادية الإباحية، لأنها تجاهلت المعاني والغايات والقيم، واكتفت بالمادة وبريقها الزائف.
كثيرة تلك الأسباب التي تقف من وراء إسلام الغربيين.
فقد تكون هذه الأسباب راجعة إلى صفاء العقيدة الإسلامية، ووضوحها، وخلوّها من الغموض والتعقيد اللذين يكتنفان العقائد الأخرى، كتلك التي تُطالب الإنسان بأن يعتقد وهو أعمى، لا عقل له، ولا تمييز لديه.
وقد ترجع إلى قدرة الإسلام على إشباع حاجات الإنسان الروحية والجسدية معًا، والسمو به إلى درجات عليا من الصفاء النفسي، والألق الروحي.. ولا غرو، فالإسلام يلبي أشواق الروح ويعلو بها، دونما افتئات على قواعد العقل، وحقوق الجسد، ومقررات الفطرة السليمة، بعكس ما تدعو إليه الفلسفات والمذاهب التي تزعم أنها ترتقي بالروح، بينما هي في الحقيقة ترتكس بها إلى أسفل الدركات، حين تجعلها تهيم في عالم ليس له منطق، ولا تفكير يحكمه، إنما هي تُرَّهات ومحض تهويمات!
< وقد تتمثل في عبقرية النظام الإسلامي وتفرده، سواء الاجتماعي منه أو الاقتصادي، فالإسلام في كليهما -كما في غيرهما- يراعي في اتزان ووسطية حقوق الفرد وحقوق المجتمع، سواء بسواء، فلا يبخس الفرد حقه، ولا يعطي المجتمع فوق ما يستحق، إنما يربط الفرد بالمجتمع في علاقة تكاملية، بحيث يعرف كل منهما ما له من حقوق وما عليه من واجبات.
غير أن ما نريد أن نلفت النظر إليه في هذا المقام، هو أنه برغم الواقع المتدهور الذي يحيط بالمرأة في عالمنا العربي والإسلامي، بفعل عوامل كثيرة -قطعا- ليس من بينها الإسلام، وإنما هو سوء الفهم عن الإسلام!.. فإن رؤية الإسلام الناصعة للمرأة ولدورها في المجتمع، كانت من أهم العوامل التي دفعت الغربيين -والكثير منهم من النساء- لاعتناق الإسلام، وإعلان الولاء له، وجعلتهم يرون فيه المُنْقِذَ من الضلال، والهادي وسط الظلمات الحالكة.. وتلك مفارقة تستحق أن نقف معها وقفات!
تكامل الأدوار
إن الإسلام ينطلق في رؤيته للمرأة ودورها من كونها جزءًا أصيلا من المجتمع، فهي نصفه، وفي الوقت نفسه تلد النصف الآخر، وتقوم على تربيته.. فكيف يمكن إذن أن يتجاهل دورها المحوري والأساسي؟!
هو ابتداء يقرر وحدة الأصل للرجل والمرأة، لأنهما خُلقا من نفس واحدة، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ; وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ; إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }(النساء: 1).
كما يقرر في وضوح أن النساء شقائق الرجال(1)، وأن المرأة مكلفة ومأمورة مثل الرجل، ولا تقل عنه في الحقوق والواجبات، وإنْ كان لكل منهما المجال الذي يتحرك فيه، مما يتناسب مع طبيعته النفسية والجسدية، ومع وظيفته الاجتماعية، فهما يتكاملان في الأدوار ولا يتناقضان في الأهداف والغايات، أما الاختلاف بينهما فيقع في الوسيلة التي يسلكها -أو ينبغي أن يسلكها- كل طرف منهما لأداء دوره المنوط به في تحقيق الاستخلاف وعمارة الأرض.
وقد جاءت النصوص في ذلك متواترة ومتضافرة، تقطع كلَّ شك، وتزيل كلَّ سوء تفسير وتأويل، ويكفي للدلالة على هذا قول الله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى; بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } (آل عمران: 195)
وقوله سبحانه أيضا: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ; يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ; أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ; إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }(التوبة: 71).
أما في الغرب فإنهم كانوا يختلفون إلى وقت قريب في كون المرأة إنسانا، أو شيطانا، أو حيوانا؟! وهل لها روح مثل الرجل أم لا؟! ثم انتهوا بعد مناقشات ومجادلات إلى أن المرأة إنسان خُلق لخدمة الرجل، وليحصل منها التناسل فقط!
ولذلك ينبغي ألا نندهش كثيرا حين نرى المرأة في الغرب قد تحولت -أو بالأدق: حُولتْ- إلى سلعة تُباع وتُشترى، شأنها شأن أي سلعة مادية لا روح فيها، فامتُهن جسدها، واستُخِفَّ بعقلها، واستُغلّت أسوأ استغلال تحت ستار خادع من الشعارات البَّراقة الزائفة!
تكريم معنوي ومادي
إن مطالعة شهادات الغربيين الذين أسلموا، أبلغ في الدلالة على رؤية الإسلام للمرأة، ولدورها الحضاري في نهضة الأمة، لأن شهادات هؤلاء الغربيين تجارب لها مصداقيتها ووزنها، باعتبار أنها وُلدت من «رَحِم المعاناة»، وتشكَّلت من خلال معايشة الواقع الأليم ومصارعته، بجانب القراءات المستفيضة عن الإسلام وأيضا في الإسلام.. وهي بذلك شهادات جديرة بالاهتمام والرَّصد والتحليل.
من هذه الشهادات شهادة السيدة الإنجليزية «أليسون محمود»، التي تتحدث عن تجربتها ورحلتها مع الإسلام فتقول: «كان أعظم ما عرفتُ، وضع المرأة في الإسلام، والمكانة الرفيعة التي تتمتع بها، وهي المكانة التي لم تَرْقَ إليها المرأة الغربية بعد، بلا أية مبالغة، يكفي أن نعلم أن للمرأة في الإسلام شخصية لها تقديرها، لقد سميت سورة باسمها وهي سورة «النساء»، وفيها ما يخص المرأة في الزواج، والإرث، والطلاق، وكيف يرعى الإسلام حقوق المرأة، التي هي شريكة للرجل في رحلة كفاحه»(2).
وبالإضافة إلى التكريم «المعنوي» الذي قرره الإسلام للمرأة، وأعاد به إليها شخصيتها المُلغاة، فإنه كرَّمها أيضا «ماديا»، فاعترف لها بذمتها المالية المستقلة، وأكدَّ حقها في التملك، وممارسة البيع والشراء وسائر العقود المالية، بالرغم من أنه أوجب نفقتها في جميع حالاتها -سواء أكانت أما أم أختا أم زوجة أم بنتا- على الرجل -أبا كان أم أخا أم زوجا أم ابنا-
وبالرغم أيضا من أنه جعل عمارة الأرض، بما تتطلبه من كدح وتعب ونصب، منوطة بالرجل وحده.. فكانت خِلْقَةُ الرجل -من قوة البدن، والقدرة على تحمّل المشاق، وغلبة العقل على العاطفة- مناسبة ومتماشية مع المهمة التي كُلِّف بها، وأُنِيطَتْ به دون المرأة.
ولذلك خاطب الله أبا البشرية آدم حين أخرجه مع أمّنا حواء من الجنة، مُعْلِما إياه أنه وحده الذي تقع عليه مسؤولية التعب والشقاء، فقال تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى . فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى }(طه: 116- 117).
ويؤكد المفكر الفرنسي «رجاء جارودي» تميزَ الإسلام في إعطاء المرأة حقوقها المالية، مقارنة بالغرب، فيقول: «إن القرآن منح المرأة حق امتلاك الأموال دون قيد أو شرط، بينما لم تنل هذا الحق في أغلب تشريعات الغرب إلا في القرنين التاسع عشر والعشرين»(3). ولما سُئل الكولونيل «دونالدز روكويل» عما أعجبه في الإسلام ذكر أسبابا عدة، منها: «الإقرار الرائد بتقرير حق الملكية للمرأة»(4).
ثمة شهادة أخرى مهمة في هذا الصدد، لأنها تُبدد بكلماتها الموجزة أوهاما، لطالما ألصقت زورا وبهتانا بالإسلام والمسلمين، وثار حولها منذ زمن بعيد لغطٌ كثير لم ينتهِ بعد، بل نراه يتجدد من حين لآخر، بمناسبة وبدون مناسبة! مثل: حق القوامة للرجل، وفريضة الحجاب على المرأة، ونصيب المرأة من التعليم، والمشاركة بفاعلية في الحياة بصفة عامة!
تقول الفتاة الفلبينية «أوليفا أبرازادور»: «لقد عرفتُ منهن (أي من اختلاطها بالمسلمات) أن الإسلام قد كرَّم المرأة، وأعطاها من الحقوق ما لم تحصل عليه المرأة في المجتمعات التي تدين بديانات أخرى، وأدركت تماما أن «القوامة» لا تعني انتقاص المرأة، بل هي تقدير لظروف أنوثتها وضعفها، لأنها تفرض على الرجل أعباء قد تعجز المرأة عن تحملها بحكم تكوينها الغريزي الأنثوي. كما أدركت أن «الحجاب» هو صون وعفاف للمرأة، وارتقاء بها وبروحها من أن تكون مجرد جسد تنهشه الذئاب البشرية.. وإنني أتذكر أن الطبيبة التي عالجتني حين مرضت، كانت امرأة مسلمة ومحجبة، ولم يمنعها الحجاب من دراسة الطب والتفوق فيه»(5).
نقد الحضارة الغربية
ومما هو جدير بالتقدير فيما يتصل بشهادات الغربيين الذين أسلموا، أنها شهادات لم تقف عند بيان عظمة الإسلام والإشادة به، بل تعدَّت ذلك إلى نقد الحضارة الغربية المعاصرة، وبيان زيفها وتهافتها، خاصة فيما يتصل بالمرأة والأسرة، تقول السيدة «حرفية بال حليم»: «ما حدث في الغرب هو أن تيار الأنوثة (تقصد: حركة تحرير المرأة) قد سلب المرأة حقوقها كامرأة، فقد أجبرها على الذهاب إلى العمل، وقلَّ عدد الزيجات تدريجيا، وهذا أمر يقوم الإسلام بتوفير الحماية منه. وأشعر الآن بأنني أكثر حرية، فقد أصابني الاضطراب بشأن القيم التي يتمسك بها مجتمعنا، فهو يتوقع أن تكون المرأة رجلا وامرأة! وأن تكون مُغْرية وفاضلة! وأن تكون جميلة وذكية وأيَّ شيء آخر!»(6).
كما تؤكد السيدة البريطانية «ميشيل» -التي أسلمت وتسمت بـ«جميلة»- هذا المعنى، وتنصح المرأة المسلمة قائلة: «يجب أن تعرف المرأة المسلمة أن حرية المرأة في أوروبا ليست حرية حقيقية، فليس لها حقوق متساوية في الأجر والعمل مثل الرجل.. كما أن الرجل هنا لا ينظر إلى المرأة نظرة تقدير واحترام.. هو فقط ينظر إلى جمالها وفتنتها، ولا يفكر فيها إلا كشريكة في الفراش!»(7).
فأين الذين ينادون في عالمنا العربي والإسلامي بحرية المرأة -وهم لا يريدون إلا حرية منفلتة من أية ضوابط- ويتخذون من الغرب قدوة لهم.. أين هم من هذه الحقائق، التي تُطْلعنا بصدق وعمق على الواقع المرير الذي تحياه المرأة في الغرب؟!
الإسلام غيرُ المسلمين
على أنه يجب في هذا الصدد تأكيد أن واقع المرأة المتدهور في عالمنا العربي والإسلامي، هو أمر لا علاقة له بالإسلام وتعاليمه وحقائقه، لأنه -كما رأينا توا- ليس ثمة دين أنصف المرأة مثل الإسلام، وإنما يرجع هذا الواقع البئيس إلى الفهم المغلوط للإسلام، وإلى التطبيق الخاطئ لما شرع الله من أحكام وتوجيهات.. ولذلك يجب التفريق بين الإسلام كدين سماوي متكامل في أهدافه وتشريعاته، ومُنَزَّه عن الخطأ والتحيز لجنس أو نوع، وبين واقع المسلمين كسلوك بشري قد يقترب أو يبعد قليلا أو كثيرا عن المبادئ والقيم التي يدعو إليها.
ثم إن تقدم وضع المرأة أو تراجعه إنما يرتبط ارتباطا وثيقا برقي المجتمع كله أو بتخلفه، إذ من غير المعقول أن تنال فئة واحدة حقوقها دون تقدم المجتمع بفئاته المتعددة، لأن المجتمع في المحصلة هو نسيج واحد تنتظم فيه جميع الفئات، وتسير في خطوط متوازية، يأخذ بعضها بأيدي بعض.
ويشير إلى هذه الحقيقة المستشرق المنصف «هستون سميث» بقوله: «أما حقوق المرأة المدنيَّة في العلم والانتخاب والعمل، فالقرآن يفتح لها أبواب المساواة، التي تنالها كلما تقدمت الأمم الإسلامية في عاداتها ومعاملاتها، فإذا كانت المرأة المسلمة لم تنل تلك الحقوق بعد قرن أو بضعة قرون كما نالتها المرأة الأوروبية، فهذه أيضا -أي المرأة الأوروبية- لم تنل حقا منها قبل عصر الصناعة الحديثة، وإنما نالت هذه الحقوق من الديمقراطية لا من الدين فلم يَجُزْ -كما يقول المسلم- أن يكون الإسلام مسؤولا عن هذه الحال»(8).
** ** **
أدري أن قضايا المرأة وإشكالياتها في عالمنا العربي والإسلامي، تدور في حلقة مُفْرغة، بفعل الدسائس والمكائد التي يجتمع عليها أعداءُ الداخل من العلمانيين والمغرضين، وأعداءُ الخارج من المتربصين، خاصة المنظمات الدولية ذات الدور المشبوه، ولذا ما يكاد ينتهي الجدل حول إحدى هذه القضايا حتى يتجدد وبسرعة حول قضية أخرى! وهكذا دواليك!
ولكني أردت أن أضع أمام المتغرّبين من بني جلدتنا، هذه الشهادات الناصعة للغربيين الذين أسلموا -التي كما ذكرتُ وُلدت من «رَحِم المعاناة»- لعلَّ أن يكون في صدقها وواقعيتها وعمقها، ما يرشد الحائر، ويهدي الضَّال، ويدل على الصواب.. ويقيم الحجَّة على المعاندين.
الهوامش:
1- أخرج أحمد وأبوداود والترمذي عن عائشة أن النبي [ قال: «إن النساء شقائق الرجال».
2- الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء، محمد كامل عبدالصمد، ج 3، ص103، الدار المصرية اللبنانية، ط 1، 1995م.
3- من كتابه «مبشرات الإسلام» نقلا عن مجلة «الأمة» القطرية، عدد (24) ذي الحجة 1402هـ، ص21.
4- في الدعوة إلى الإسلام بين غير المسلمين، المستشار محمد عزت الطهطاوي، ص 200، دار التراث ط 1، 1979م.
5- الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء، ج 3، ص121.
6- صحيفة «الصنداي تليجراف» البريطانية نقلا عن مجلة «الرسالة» المصرية، عدد 2، ص 76، ذي الحجة 1422هـ.
7- الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء، ج 3، ص70.
8- نقلا عن «الإسلام دعوة عالمية» للأستاذ عباس محمود العقاد، ص112، ط مكتبة الأسرة 1999م.
منقول عن مجلة الوعي الإسلامي (مقال للكاتب والباحث :السنوسي محمد السنوسي)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق