الأحد، 27 يوليو 2014

مقال عن الجلسة الأولى للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي)

(
مقال عن الجلسة الأولى للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي



][colorانعقدت الخميس الماضي الجلسة الأولى للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في صيغته الدستورية الجديدة، وقد شهدت بداية هذه الجلسة حادثا طريفا يحتاج لوقفة، ففي بدايتها طلب عمر عزيمان من الأعضاء تقديم أنفسهم قصد التعارف، وعندما وصل دور محمد يتيم، قدم نفسه على أنه «ممثل لأحزاب المعارضة في البرلمان»، لتنفجر القاعة الفسيحة الموجودة في أكاديمية المملكة بالضحك، ويبدأ الهمس في الآذان بين بعض الأعضاء، قبل أن يتدخل «أخوه» في النقابة، وزعيم ذراعها التعليمي ليصحح له ما نسيه، ويذكره أنه ممثل لأحزاب الأغلبية. فرغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على تنصيب حكومة أخيه الأكبر عبد الإله بنكيران، فالرجل ما يزال يشتغل بـ«اللوجيسييل» القديم، إذ أنه نسي أن الصفة التي حضر بها إلى جانب ثلاثة رؤساء فرق برلمانية أخرى، هي كونه ممثلا لفريق الأغلبية الحكومية وليس المعارضة.

والحقيقة أن هذا الحادث، وإن كان يدخل في باب السهو، فإنه يعد تعبيرا لا شعوريا عن المهمة التي سيقوم بها يتيم هو وإخوانه في المجلس، لاسيما أن ملف التعليم، وكما سبق أن أشرنا في أعمدة سابقة، يشكل غصة حقيقية لإخوان بنكيران، فالقطاع خرج نهائيا من بين أيديهم، وفي نفس الوقت هم مضطرون لضمان «السلم الاجتماعي» نقابيا لمساندة الحكومة بأي ثمن، فبسبب إخفاقهم الذريع في تجربتهم الحكومية الأولى مع المختفي محمد الوفا، فقد فقدوا ملف التعليم نهائيا، بل وأضحوا يوفرون الغطاء السياسي لقرارات تعارض كل ما يدعونه في هذا القطاع الحيوي، كما رأينا عندما أعلن رشيد بلمختار في وجوه أعضاء فريق الحزب بلجنة التعليم بالبرلمان، قائلا إن الإصلاح القادم للتعليم هو أمر يعني وزارته ومجلس عمر عزيمان فقط، بل وإنه جاء في مهمة محددة ليقوم بها ولا تعنيه نهائيا الأجندات الحزبية والنقابية التي تعني الأحزاب المشكلة للحكومة. وطبعا ابتلع كل أعضاء الفريق النيابي للعدالة والتنمية ألسنتهم، اللهم إلا من صوت إحدى البرلمانيات الاتحاديات، والتي وضعت الأصبع على المشكلة، عندما طرحت سؤال «من سنحاسبه إذن؟».

طبعا «يتيم» يعلم، منذ أن كان مدرسا للفلسفة في بني ملال، أن هذا الوزير العائد من زمن التسعينات، زمن السكتة القلبية، يمثل مشروعا مجتمعيا فرنكفونيا واضحا، وما حضوره الشخصي لندوة عيوش وتوقيعه لاتفاقية شراكة مع مؤسسته، إلا دليلا على أن هذا الرجل يعتبر الآن العدو الأول لنقابته وحزبه، ولكن هذه الظرفية تفرض عليه أن يردد ما قاله عبد الرحمان المجدوب: «السن يضحك للسن والقلب فيه الخديعة»، وإلا ما معنى أن يصف رئيس الحكومة عيوش بالتاجر الذي يبحث في كل مرة على شيء يبيعه للدولة، ويصفه النائب أفتاتي بالبزناس مباشرة بعد تعيينه من طرف الملك في المجلس الأعلى للتعليم، فيقوم في المقابل وزيره في التعليم بتوقيع اتفاقية تعترف له بمكانة الشريك؟

فيتيم يعلم أيضا، أن هذا الوزير المكلف بقطاع يضم ثلث موظفي الدولة، ويشرف على تعليم أزيد من سبعة ملايين طفل مغربي، ولا يستعين في ذلك إلا بامرأة وشاب فقط في ديوانه، يعلم أنه لن «يجرؤ» على اتخاذ قرار في حجم تغيير نظام الباكالوريا، بحمولتها الأمنية والاجتماعية والتربوية الكبيرة، دون أن تكون هناك جهة ما نافذة تعطيه «الفتاوى».

يتيم يعلم أيضا أن بلمختار يؤمن بالكثير مما اقترحه عيوش، ولا يتردد في إجراء مقارنة تفضيلية معلنة بين برنامج وزيره الأول السابق الراحل عبد اللطيف الفيلالي في مجال التعليم، وبرنامج الحكومة التي ينتمي إليها صوريا، والدليل هو أن كل القرارات التي اتخذها في هذه المدة الوجيزة التي عاد فيها، تظهر بالملموس أن التعليم أضحى قطاعا غير حكومي، لكون الطريقة التي يتم بها تدبيره أقرب إلى مندوبية أو مكتب وطني منها إلى وزارة خاضعة لبرنامج حكومي. لذلك من «حق» يتيم أن يقول عن وعي وليس فقط سهوا، إنه يمثل المعارضة في المجلس، لأنه يعرف هو وإخوانه الاتجاه العام والذي يمثله عزيمان نفسه، هو ربط التعليم المغربي الكندي والذي يمثل توليفة منسجمة بين التعليمين الفرنسي والانجليزي، لذلك فإن أقصى ما يمكنهم القيام به في المجلس الأعلى للتربية والتكوين، هو «لعب» دور المعارضة، خاصة في القضايا الحساسة التي سيتداول فيها المجلس، كقضية لغة التدريس وحضور اللغة العربية والتربية الإسلامية، وهي المواد التي يصمم بلمختار على حذف ساعاتها نهائيا، خاصة في سنوات الباكالوريا.

وإذا تفحصنا لائحة أعضاء المجلس يمكننا بسهولة أن نلاحظ أنه بمقابل «الإنزال» الكبير الذي قام به أعضاء حزب بنكيران، هناك أيضا حضور كبير لكل الذين كانوا في فلك الوزيرين السابقين خشيشن والعبيدة، بل إن شخصا كان يشغل منصب رئيس قسم في وزارة التربية الوطنية، وكان مقربا من العبيدة، وطرده الوفا لهذا الاعتبار من الوزارة، عاد إلى المجلس بصفته خبيرا، مما يعني أن المجلس سينقسم منذ البداية إلى معسكرين رئيسيين، فيما سيلعب الآخرون، وهم قلة، وخاصة النقابات اليسارية التقليدية، دور المكملين في المشهد. فهناك من جهة معسكر حزب العدالة والتنمية ومن يدور في فلكه، ومعسكر عيوش ومن سيدور في فلكه. وبطرقه المعهودة في اللعب خلف الكواليس استطاع حزب العدالة والتنمية أن ينتزع عددا كبيرا من المقاعد، وفي جميع الفئات الممثلة فيه، والتي يسميها القانون الداخلي للمجلس بـ«الفئات المعينين لصفتهم»، باستثناء لائحة العشرين عضوا التي اقترحها الملك، بما في ذلك فئة التلاميذ، والتي يفترض أن تكون ممثلة بالأطفال المغاربة، والذين هم في حِل من حسابات السياسة والسياسيين، ولأن الحزب يعرف جيدا أن النقاش في القضايا الحساسة للتعليم تفترض «رهطا» وتآزرا، خاصة وأن الشرخ الكبير الذي ظهر وسيظهر بين الآراء والمقترحات سيفرض على عزيمان اللجوء للتصويت، فإن الحزب في حاجة إلى «الحمية» لكي يغلب السبع، لأنه ينظر للمجلس كمعركة أخيرة إن فقدها سيفقد كل الحرب، من هنا سيحرص الحزب على أن تكون له تمثيلية في مكتب المجلس وكذا في كل اللجان الدائمة والمؤقتة التي سيتم تشكيلها، وكذا في لجان البحث التي سيتم تشكيلها بموجب القانون التنظيمي للمجلس، وسيضطر الحزب والنقابة إلى الاستعانة بمخزون التفاوض وسياسة «عطيني نعطيك» التي تعلموها منذ أيام «المساندة النقدية» لحكومة عباس الفاسي، أي منذ أيام «رجل هنا ورجل لهيه».

وعندما قلنا إن مسألة التمثيلية في المجلس تعتبر لدى أعضاء الحزب مسألة مصيرية، فإننا لم نكن نبالغ، لذلك فقد جاء الرد سريعا وغاضبا، فبعد يوم واحد من ظهور تركيبة المجلس، بعث عضو بحركة التوحيد والإصلاح يشغل مهمة رئيس «الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية»، وهي جمعية تابعة للحركة، برسالة عتاب شديدة اللهجة لبنكيران يؤاخذه فيها عن «تنازلاته» الكثيرة وهزيمته النكراء في معركة التركيبة هذه، مستنكرا «البلقنة» التي ميزت المجلس، بشكل يثبت حسب رأيه «أن الأمر لم يعد إصلاحا أو وعدا بإصلاح، بل هو تمرير لرؤية استبدادية حول قضايا التعليم والتربية».

إن معركة تركيبة المجلس ليست هي المعركة الوحيدة التي خاضها الحزب، بل أثناء عرض القانون التنظيمي على البرلمان، مباشرة بعد الانتقاد الملكي للحكومة على تقاعسها في اقتراحه لمدة سنتين كاملتين، خاض فريق العدالة والتنمية في لجنة التعليم حربا تأويلية حقيقية لبعض بنوده، إذ حاول أعضاء الحزب لعب دور «البطولة» بعد أن ثبت لدى جميع المغاربة فشل حزبهم في تقديم حلول لتعليم أبنائهم، لذلك اعترضوا على بعض بنوده وخاصة تلك المنظمة لعلاقة المجلس برئيس الحكومة. وبهذا ضمن الحزب وجودا له في مكتب المجلس وكذا كل لجانه، لكن ونظرا لضعف موقفهم في المجلس بسبب سوء تدبيرهم للقطاع في عهد محمد الوفا، فإننا نفهم الآن معنى أن يقول يتيم إنه يمثل فرق المعارضة، لأن هذا أقصى ما يمكنه القيام به، ليس فقط عدديا، ولكن لكون الحزب لا يملك أدنى تصور إستراتيجي لحل المعضلات التي يعانيها التعليم المغربي، بل فقط يدبر تفاوضه فيه من أجل ترميم سمعته لا غير.

ففي مسألة لغات التدريس مثلا، يبدي الحزب موقفا متشددا لصالح اللغة العربية، وهو موقف مسنود بعاطفة وأهداف انتخابية واضحة، لذلك شكل الحزب جمعية للدفاع عنها، يتيح لها الحزب كل الإمكانات لتنظيم أنشطتها الدعائية، بل وتم تشكيل لجنة على مستوى ديوان رئيس الحكومة لتتبع هذا الملف، لكن في مقابل هذا نجد أن كل أعضاء الحزب، بمن في ذلك بعض مؤسسي هذه الجمعية، التي تدافع عن اللغة العربية، يدرسون أبناءهم وأحفادهم في مدارس خاصة، حيث يتم تعليمهم اللغتين الإنجليزية والفرنسية منذ التعليم الأولي، ويمكننا أن نقدم هنا أدلة بالأسماء عن بعض هذه المؤسسات التي يقبل عليها أبناؤهم وحفدتهم مسنودة بوثائق التسجيل فيها، منهم وزراء للحزب وبرلمانيون، ولكنهم عندما يتعلق الأمر بتعليم أبناء الشعب، والذين يضطرون للإقبال على المدارس العمومية لفقرهم، فإنهم يبدون «تشددا» غير طبيعي معتقدين أنهم بهذا يدافعون عن اللغة العربية، مازجين موقفهم هذا، والذي يظهر عجزا حقيقيا في الإجابة على الأسئلة الحقيقية لمشكلة لغات التدريس بمسحة دينية، مع أن النقاش الحقيقي ينبغي أن يتجه لتجاوز مشكلة الانفصام الحقيقي بين اللغة العربية التي يتم التدريس بها في التعليم الثانوي، واللغة الفرنسية أو الانجليزية التي يتم التدريس بها في التعليم العالي، فلا هم قادرون على اقتراح تعريب التعليم العالي، لكون هذا المقترح يتطلب مجهودا علميا جبارا لا يملكون له حولا ولا قوة، بل وسيظهر إذا لم تتوفر له شروطه بطريقة مبتذلة سيذكرنا بتعريب القذافي للأجهزة الإلكترونية، ولا هم قادرون على اقتراح إعادة فرنسة التدريس في التعليم الثانوي، كما كان الحال قبل قرار تعريب التعليم والذي اتخذه عز الدين العراقي في أواخر السبعينات، من هنا فهم لا يقدمون بديلا نهائيا، يرفضون من أجل الرفض، ويستعينون من أجل فرض موقفهم بالخطب الرنانة لجيش الدعاة التابع لحركة التوحيد والإصلاح للتصدي لما يسمونه «الحرب على اللغة العربية»، بمعنى أنهم يفضلون أن يعيدوا حالة «السكيزوفرينيا» نفسها التي كان يعيشها حزب الاستقلال، والذي كان العراقي، أحد قادته آنذاك، أي تعليم أبناء الشعب باللغة العربية داخل المدارس العمومية، ليحملوا معهم إعاقتهم اللغوية إلى الجامعة ويتخرجوا منها معطلين يحلمون بالوظيفة العمومية، وفي المقابل تعليم أبنائهم هم في مدارس البعثات الفرنسية، ليتم تعيينهم أثناء تخرجهم مديرين ووزراء في إطار كوطة تقسيم الكعكة الحزبية.

لذلك كان الحسن الداودي في هذا الموضوع تحديدا أكثر «شجاعة» في مقاربة هذه المشكلة إبان مداخلة له في ندوة عن الباكلوريا الانجليزية، لكونه يؤمن بأن تأهيل الجامعة المغربية يتم عبر الانفتاح على اللغات الحية التي يتم بها التدريس في المعاهد والجامعات الاجنبية التي حرص على أن يساعدها على فتح فروع لها هنا في المغرب، على الرغم من أنه بهذا يناقض كل المعارك التي خاضها إخوان حزبه في الدفاع عن التعريب.

[/color]
[/center]




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق