الثلاثاء، 31 مارس 2015

هل استعجلإيران قطف ثمار الربيع العربي؟

هل استعجلت إيران قطف ثمار الربيع العربي؟

بعد الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003 وانهيار الجيش العراقي و اعتقال " صدام حسين " ثم إعدامه صبيحة عيد الأضحى. انقلبت موازين القوى في عراق ما بعد صدام لصالح التيار الشيعي بكافة مكوناته المذهبية والأيديولوجية. وأصبحت إيران المتحكم الفعلي؛ بعد الولايات المتحدة في سياسات العراق الدبلوماسية والأيديولوجية والاقتصادية. وبعد أن استتب لها الأمر في العراق أخذ الحلم الفارسي يكبر في عيون الحاكمين في طهران, والملالي في الحوزات. فهل تسرعت إيران في خطواتها التوسعية؟ وهل حسبت حسابا لردود الفعل العربية, وخاصة السعودية تجاه تدخلاتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وحتى في مصر إبان حكم الإخوان؟

أثناء إعدام صدام حسين, ارتفعت شعارات طائفية في قاعة الإعدام من قبيل" مقتدى مقتدى مقتدى ". كان واضحا جدا أن العراق القادم تتحكم فيه نزعة طائفية إقصائية وانتقامية ستكون وبالا على العراق وأهله ومستقبله كدولة مواطَنَة بدل دولة طوائف دينية. وأخيرا وصلت إيران إلى الصفوف الأمامية في العراق, بعد سنوات من الاقتتال فيما يعرف بحرب الخليج الأولى بين عراق "البعث" وإيران "الثورة الخمينية"(1980-1988).

انغمست إيران في المشهد العراقي بشكل علني جدا؛ فقد انتفت تماما دواعي "التقية" و الاختفاء وراء أقنعة الشعارات الإسلامية الخمينية الجوفاء من قبيل "الموت لأمريكا, الموت لإسرائيل" و"الاستكبار العالمي والشيطان الأكبر". وتبين بما لا يدعو إلى الشك أن الشيطان الأكبر هو من ساعد إيران على التحكم في العراق. إن ما نراه اليوم من الدعم العسكري الإيراني العلني للحكومة العراقية الشيعية في ما أطلق عليه تحرير مدينة "تكريت" من يد تنظيم "داعش" لهو أكبر دليل على الارتباط المصيري لعراق اليوم بحكام طهران, وانغماس إيران في المشهد العراقي.

الانغماس الإيراني في المشهد السياسي العربي لم يقتصر على العراق, بل تعداه إلى (البحرين وسوريا ولبنان واليمن والسعودية).

فلا أحد يشك في أن ما وصلت إليه لبنان من فراغ سياسي ناتج عن التدخل الإيراني المباشر في شؤون هذا البلد من خلال حزب الله اللبناني. فبعد ما سمي بتحرير الجنوب اللبناني من إسرائيل, أصبحت أسلحة ميلشيات حزب الله أداة ابتزاز يستعملها في وجه الدولة التي يفترض أن لها جيشا وطنيا هو الوحيد الذي يكفل له القانون التوفر على الأسلحة الثقيلة. ولا أحد يشك في أن ولاء حزب الله لإيران مقدم على ولائه للدولة اللبنانية ولا نغلو إذا قلنا إن الضاحية الجنوبية من لبنان هي ولاية إيرانية وحزب الله حزب إيراني بامتياز قبل أن يكون لبنانيا. وفي البحرين كان الدور الإيراني بارزا في دفع الشيعة البحرينيين للخروج إلى الشوارع في فبراير 2011 إبان ما عرف بالربيع العربي, وهي الاحتجاجات الوحيدة التي أخذت طابعا طائفيا محضا. غير أن المملكة العربية السعودية تدخلت بشكل مباشر في إطار قوات درع الجزيرة التي تجمع دول الخليج. كان أمرا لابد أن يحدث وقد حدث, كما الغارات الجوية على الحوثيين فيما يعرف ب"عاصفة الحزم". وهو ربما ما لم تحسب له إيران حسابا دقيقا. ساندت إيران تنظيم "أنصار الله" الحوثي في اليمن عن طريق المد بالأسلحة والدعاية الإعلامية عبر عشرات القنوات الشيعية التي تتحدث باللغة العربية والمواقع الالكترونية والمحللين السياسيين ذوي التوجه الفارسي والذين تدفع لهم إيران بسخاء لمساندة طرحها التوسعي في المنطقة العربية في محاولة لإحياء حلم الإمبراطورية الفارسية ولم لا تجسيدها في الواقع العربي الذي يتسم بنوع من الضعف والتوجس من الأنظمة المستبدة. لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال استبدال استبداد سياسي باستبداد ديني. إن السيطرة الحوثية على السلطة في اليمن بالتحالف مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وما أبدته القوات الحوثية من غطرسة نابعة من الإحساس بالقوة والزهو من انقضاضهم على السلطة دون أن يحسبوا لها حسابا؛ وهو أمر لم يكن ليتأتى لهم لولا الفراغ السياسي الذي عرفته اليمن بعد إسقاط نظام علي عبد الله صالح. وهو الأمر الذي لم يكن منتظرا من المملكة السعودية أن تسكت عنه بأي حال من الأحوال؛ فاليمن هو امتداد جغرافي للسعودية وليس في صالحها أن تكون السيطرة فيه لسلطة مرتبطة بطهران. ولم يكن التدخل السعودي وحلفاؤه مستبعدا؛ بل لعله أتى متأخرا لكن أسباب التأخر قد تكون راجعة إلى إعطاء الوقت الكافي لجمع المعلومات الاستخباراتية وانتظار تجمع القوات الحوثية في مناطق بعيدة عن نفوذها الجغرافي في محافظة صعدة وحتى يكون الحوثيون في مواقع الدفاع بدل أن يكونوا في مواقع الهجوم؛ وهو ما يثقل كاهلهم في محاولة الدفاع عن مواقع سلطتهم العسكرية(مخازن الأسلحة,المطارات والآليات والتحصينات العسكرية...) والسياسية (القصر الرئاسي,مقرات الوزارات والهيئات الحكومية والبلدية...) والاقتصادية (الموانئ والمطارات التجارية والأبناك ومصافي وآبار النفط...) والإعلامية (مقرات الإذاعة والتلفزيون...). ومن غير المنتظر أن تقوم إيران بأي رد فعلي غير محسوب العواقب, خاصة أن أغلب الدول الغربية الكبرى أيدت الضربات الجوية السعودية, تحت مبرر مساندة السلطة الشرعية لعبد ربه منصور هادي. وكل ما يمكن لإيران أن تفعله هو محاولة عرقلة المفاوضات حول ملفها النووي أو بعض الدعاية الإعلامية القائمة على الاتجار بأرواح الانقلابيين الحوتيين قصد التشكيك في أهداف الضربات الجوية لعاصفة الحزم.

أما في الملف السوري فغير خاف على أحد أن الأسد لم يعد يتنفس إلا من خلال المساندة الإيرانية التي تزوده بالأسلحة الروسية والصينية وبمقاتلين من إيران والعراق ولبنان. وما كان للنظام السوري أن يبقى في السلطة لولا هذا الدعم الإيراني السخي والعلني. إن وهم الإمبراطورية الفارسية الذي يدغدغ جوارح الإيرانيين, قد دفع بإيران إلى نهج سياسة توسعية في بعض الدول العربية التي يتواجد بها مواطنون يدينون بالمذهب الشيعي. وهي سياسة كانت قائمة على احتواء بعض المثقفين وعلماء الدين والحركات والتنظيمات الإسلامية وأنشطة سفاراتها في العواصم العربية. وقد كانت أغلب الحركات والتنظيمات الإسلامية مخدوعة في مواقف إيران من الأحداث الجارية في العالم العربي والإسلامي, ووسائل إعلامها الممجدة للثورة الخمينية في فترتي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي أوضح دليل على هذا الانخداع أو الاحتواء أيا كان. بل من المسلمين من وقر في نفسه أن إيران الثورة الإسلامية هي التي ستحرر القدس.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو, هل مازال هناك من يشكك بالمخطط التوسعي الإيراني في الدول العربية والإسلامية؟ وهل نحن بحاجة إلى جمعيات ذات توجه شيعي في بلادنا ؟ وهل بالإمكان بعد الآن أن نعقد المؤتمرات الداعية إلى التقريب بين السنة والشيعة؟

لقد ظلت إيران لثلاثة عقود تحاول بناء جسور الثقة بينها وبين الدول الإسلامية السنية, وبذلت من أجل ذلك كل الجهود الممكنة من أجل ترسيخ هذه الثقة, على حساب الشعب الإيراني الذي يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية بل وأزمة هوية قد تهدد الدولة الإيرانية نفسها في ظل الدعوة إلى النزعة الفارسية على حساب التركمان والأكراد والعرب. وبعد سقوط العراق في يد الغزو الأمريكي, ذهبت كل الجهود الإيرانية أدراج الرياح, وتبين بالواضح والمرموز أن الحلم "الساساني" يصر أن يكون حقيقة على الأرض. لكن هل تسمح دول الجوار بذلك؟

البشير بمكدي




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق