ثمة الكثير من الظواهر طفحت وطفت على سطح الانتخابات قد يستعصي المرء على تفسيرها وفهمها، فهي تحتاج إلى عمق تحليل ميكروسكوبي، سوسيولوجي ونفساني للفهم والتفكيك، لكن في بديهياتها ودلالاتها تطالعنا على حجم بلوغية واستحكام هوس الحصول على المناصب والمسؤوليات الذي يتملك عقلية السياسي في المغرب، إلى الحد الذي يجعله في وضعية الاستنجاد بالسحر والدجل والقوى الغيبية الخارقة، في اعتقاد منه هي الفيصل بالظفر والفوز في الانتخابات،
بمعنى اللجوء إلى السحرة والمشعوذين للكشف عن المستور في الطالع الانتخابي إن كان سوءا أو حسنا، أو إلحاق الأذى والضرر بالطرف المنافس أو حتى من خلال زيارة الأولياء والتبرك ببركتهم من أجل الفلاح والإيقاع بخصومهم المترشحين "شايلاه أمولاي ... بغيتك تعمي ليهم عينيهم عن رؤية رموزهم الانتخابية ،واجعلها مفتوحة في وجه رموزنا...".
والأدهى والأنكى من ذلك أن يتم اعتماد الكثير من المغالطات والتوهيمات للقيام بغسيل لأدمغة الناس والإيقاع بها والتأثير على أحاسيس ومشاعر ومعتقدات الناس، من خلال الترويج للمترشح وتسويق صورته على أنه "رجل مبروك" يحظى بحماية خاصة من طرف "الجواد"، ومن لم يناصره سيقع تحت طائلة المس وينال عقابا كبيرا لا تقدر عواقبه،
وكل هذه المغالطات والأوهام والترهات يتم استثمارها بفعل الجهل والحاجة والإحساس بالضعف وكثرة إيمان الناس بالغيبيات والقوى الخفية الخارقة، مما تجد لها صدى الاستجابة والرضوخ، وهذا لا يثنينا على الاستنتاج بأن الجهل هنا مزدوج لدى المترشح من جهة، لأنه شديد التعلق بالحصول على المنصب، حيث يصاب بنوع من العمى الذهني والناخبين من جهة ثانية وخوفهم من الجزاء والمس.
فالكثير من الذين يتملكهم هوس حب السلطة وحب الحصول والبقاء في الكراسي، مروا من هناك، ولجئوا إلى العوالم الخفية والغيبيات لنصرتهم، بحثا عن الكراسي والديمومة فيها، من خلال استحضار "شمهروش الانتخابات"، والاستقواء به في معاركهم الانتخابية، والكثير من "السحر الانتخابي" لم ينفع معه الفاسوخ ولا الجاوي المكاوي.
وكم من مشعوذ ذاع صيته بسبب تصادف تنبؤاته مع نتائج الانتخابات أو بفعل وقوع ضرر في صفوف الناخبين نتيجة حادث أو ما إلى غير ذلك والذي يكون لصالح مترشح بعينه، وكم من ساحر وعراف هوت مكانته واندثرت قيمته بفعل ضعف تقديراته وتنبؤاته وعدم تحقق.
وفي هذا المعطى الحاضر ببعده الغيبي والخفي في الانتخابات ترتفع وتنتعش أسهم المشعوذين والسحرة مع شدة التنافس الانتخابي وحجم المسؤوليات ، حيث يختلف الأمر بين الحصول على صفة مستشار، والتمكن من مناصب المسؤوليات والقيادة وخاصة رئاسيات المجالس.
إنها حقيقة ماثلة وواقعة تحتاج إلى أكثر من وقفة للتأمل، ففي عز التنافس بين المترشحين تعززت استعمالات السحر والدجل وقليب الكارطة وقراءة الطالع الانتخابي وزيارة الأضرحة والأولياء الصالحين.
ففي الانتخابات التشريعية والجماعية السابقة لجأ الكثير من الساسة إلى المشعوذين لمعرفة مستقبلهم السياسي ومعرفة ما ستجود به نتائج الانتخابات، ونفس الأمر تكرر مع هذه الانتخابات الجهوية والجماعية، إنها السياسة بطعم السحر والشعوذة والتخلص من سوء الطالع الانتخابي.
قراءة الطالع الانتخابي بالمغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق