الأحد، 27 سبتمبر 2015

كم تكلف صلاة الجمعة خزينة الدولة؟

كم تكلف صلاة الجمعة خزينة الدولة؟
مسرعا ذهبت، منهكا وصلت والساعة تشير إلى منتصف النهار.وجدت ردهات الإدارة تعج بالزوار.سألت الشاوش عن المكتب الخاص بقضاء حاجتي، أجابني على الفور بأن اليوم يوم جمعة يغادر فيه الموظفون قبل المعتاد لأداء الصلاة . ارتسمت على محياي علامات الأسى ، فرق لحالي وهمس: اذهب إلى ذلك الشباك وسل حظك.اقتربت من المكان ، طرقت برفق الستار الزجاجي، فتحت الموظفة الكوة المخصصة لتحصيل مبالغ الضرائب ،تفحصت ملامحها فبدت لي أنها ليست ممن قال فيهم الحق .//..حتى يعرفن فلا يؤذين//، أخبرتها بحاجتي فردت على الفور: عد بعد الصلاة ثم أغلقت الكوة. طرقت الزجاج بعنف هذه المرة وقلت : عار عليك إنهاء الحوار بإغلاق الباب في وجهي بهذا الشكل وأنتم تعيبون على بنكيران عدم التحاور مع ممثليكم النقابيين. فتحت الكوة من جديد وطلبت منها سماع التوضيح التالي:
سيدتي ، صلاة الجمعة تجرى طقوسها داخل المسجد، ووجودك حيث أنت يعني القيام بالواجب.ثم إن الانصراف على الساعة الثانية عشرة يعتبر وقتا مبكرا على اعتبار أن أبعد مسجد من هنا يمكن بلوغه بيسر عند سماع النداء الثاني. كلنا مسلمون وحريصون على صلاة الجمعة في وقتها.إنه من العيب وقلت المروءة والدين أن ينصرف الموظف من مكتبه ويخلف وراءه جيش من المواطنين وكأنه الوحيد الذي يصلي والآخرون كفار وملاحذة..هل الطقوس التي تسبق الصلاة تقتضي الانصراف قبل ساعتين؟صحيح أن الإدارة وبحسن نية تستعمل المرونة مع الموظفين يوم الجمعة ، لكن ليس لحد تعطيل العمل/ الذي هو عبادة/ لساعتين أو يزيد.هل جاليتنا بالخارج لا تؤدي صلاة الجمعة لأنها تحرم من المرونة التي تعطى لموظفينا؟في ديننا إذا نويت فعل شيءوحصل مانع نلت ثوابه كاملا غير منقوص.لماذا لا تمنح هذه الرخصة لرجال التعليم الذين يمثلون نصف الموظفين؟ هل سمعتم أن مدرسا ترك القسم ومن فيه لأداء صلاة الجمعة؟ لماذا لا تحضى باقي الصلوات بنفس المرونة؟ لماذا يكون الموظف أحرص الناس على الصلاة يوم الجمعة ويضيعها يوم الأحد؟ هل كل موظفي الدولة يصلون حتى تفرغ الإدارة من رجالها لحد تعطيل مصالح الناس؟
أمام هذا السيل من الأسئلة رق قلب الموظفة التي لا يبدو عليها أثر السجود ، فأبدت رغبتها في تقديم الخدمة ، لكنني رفضت نهج سياسة الخلاص الفردي قائلا : لا أرضى بقضاء مصلحتي ويترك هؤلاء في قاعة الانتظار حتى يعود من يحشر أنفه ربما بدون وضوء يوم الجمعة مع زمرة المصلين .الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر لا خير ولا نفع فيها.إن اقتطاع الموظف ساعتين من وقت عمله لأداء صلاة الجمعة لهو منكر وسرقة موصوفة للمال العام، لأن القانون يقول : الأجرة مقابل العمل.. وهي الذريعة الوحيدة التي يحاول بها بنكيران وحتى من سبقه تبرير الاقتطاع من رواتب المضربين. لذلك باسم الصلاة تتوقف الإدارة وباسمها تغلق الشوارع في وجه المارة والسيارات. وباسمها تعطل مصالح العباد. ألا يعتبر ذلك استغلالا سلبيا للدين ؟
تعالوا في النهاية لتقدير قيمة الخسارة التي تتكبدها خزينة الدولة و المترتبة عن التسهيلات من أجل الصلاة. لنفترض أن عدد الموظفين الإداريين في البلد فقط 300000.كل موظف يسرق ساعتين كل جمعة.فيصبح المجموع 600000ساعة ، على 24يساوي25000يوم في الأسبوع .في4يساوي 100000 يوم في الشهر.في12يساوي1200000 يوم في السنة.أو ما يعادل 3287سنة. أي أن الدولة تخسر سنويا 3287سنة عمل .هذا من حيث الغلاف الزمني ، أما الغلاف المالي إذا اعتبرنا أن معدل الأجر اليومي للموظفين يساوي 200درهما تصبح الفاتورة 240000000درهما فقط في السنة..وهو ما يعادل 0,25في المائة من ميزانية الأجور التي تصرف للموظفين.إن حجم هذه الخسائر قدرناها في حدودها الدنيا على اعتبار أن عدد الموظفين المستفيدين من رخصة الجمعة يفوق المفترض بكثير ،كما أن معظمهم لايتفقد مقر عمله في أحسن الأحوال إلا بعد الثالثة زوالا. ناهيك عما يتكبده المواطن من خسائر إضافية تتعلق بالتنقل ومصاريفه ثم هدر الزمن خاصة بالمدن الكبرى.
إن ما تربحه الدولة من خلال الساعات التضامنية المفروضة على رجال التعليم ، هو بالتمام والكمال ما تخسره من خلال منشور المرونة يوم الجمعة.وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لاتستجب الدولة لأقدم مطلب على جدول أعمال النقابات مقابل إلغاء المنشور الذي لم يحسن الموظفون استعماله؟
تخيلوا معي لو أن الياباني منحته الدولة رخصة الذهاب إلى الكنيسة في يوم ما من الأسبوع لممارسة طقوسه العقدية، أكيد أن كل من لايؤمن بالدين لن يغادر مكتبه حتما عكس ما يفعله المغربي المسلم، والسبب أن الياباني أخذ جرعة زائدة من المناعة جعلت منه إنسانا مستقيما فاعلا ومؤثرا في محيطه، يفكر في وطنه أكثر مما يفكر في نفسه.في اليابان كذلك يحتج التلاميذ على طول العطلة الصيفية ويطالبون الدولة بإلغائها أو في أحسن الأحوال تقليصها أو فتح المزيد من المكتبات العمومية لاستيعاب أعداد التلاميذ والطلبة الراغبين في التهام الورق في انتظار الدخول المدرسي،عكس ما يحدث لدينا تماما حيث يكون تلامذتنا أول من يغادر المدرسة مبتسما وآخر من يعود إليها عبوسا قمطريرا، حتى الأساتذة في بداية كل سنة دراسية لايكون همهم إلا البحث عن عدد ساعات العمل في استعمال الزمن، كلما كان عددها قليلا اعتبر ذلك من رضي الله والوالدين ،وكلما كان كثيرا عد في خانة سخط الله والوالدين، هذه هي الثقافة السائدة ولاحول ولا قوة إلا بالله.
نحن أمة لا تحيى إلا بالتحايل والتدليس ، فعندما يقبل أحدنا على بيع سيارته يبادر إلى إخفاء كل العيوب تحت قناع من الطلاء حتى تظهر في المستوى وتجلب له الربح العميم، ولا أحد يفكر في عواقب أفعاله على الآخرين متذرعا بالمثل القائل//الله يجعل الغفلة بين البائع والشاري// هكذا نؤسس جميعا لمنطق دولة الفوضى / النقل السري .التهرب الضريبي. احتلال الشارع العام. الذبيحة السرية. احتكار السلع. بيع البضائع المنتهية الصلاحية. بيع لحم الحمير.يضاف إليها ترك العمل لأداء صلاة الجمعة..
لاأحد في هذا الوطن يشتكي من الأزبال إلا عندما يلقيه أحدهم بباب منزله.لاأحد يتحدث عن الضجيج إلا عندما يعكر صفو راحته.لاأحد يشتكي من التلوث إلا إذا أصاب بيئته القريبة. لاأحد يدافع عن الغش إلا إذا ضبط ولده متلبسا به، كما لآأحد يشتكي منه إلا إذا كانت نتائجه تلحق ضررا به أو بأحد أقاربه... الكل يمقت الرشوة والزبونية والكل يقدمها بحثا عن الخلاص الفردي. عجبا لهذه الأمة التي تبحث دائما عن العطلة تحت ذريعة المرض، الأمطار،ازدياد منسوب الأنهار، عدم توفر وسائل النقل والقائمة طويلة،وهي أمة متخلفة ما أحوجها لاستثمار الزمن على الوجه الصحيح.
كل شيء تغير في بلادنا / الملابس ـ الهندسة ـ العادات الغذائية حيث حل الصندويتش محل الوجبات العائلية ـ الأغاني القصيرة محل مطولات أم كلثوم ـ / لكن دون الاهتمام بالزمن رغم أننا نقول بأنه كالسيف إن لم تقطعه قطعك. الكل يملك الساعة ولاأحد يملك الوقت.هناك من يضبط عقاربه على أهله وذويه ، وهناك من يضبطها على جيبه ونفقاته الخاصة ، لكن من منا يضبطها على الوطن؟ أمة تتشبث بالأمثال الشعبية المثبطة للعزائم من قبيل /مايخدم غير لحمار، المهل ايوصل ، العام طويل / لايمكن لهذه الأمة إلا أن تبقى في مؤخرة الدول لاتجيد إلا استهلاك ما ينتجه الأسياد.
في كتاب شروط النهضة يخبرنا مالك بن نبي بأن ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية وجدت نفسها قاعا صفصفا مدمرة ومقسمة بين 4قوى كبرى، وللخروج من الأزمة اقتصدت في الجهاز الإداري وفرضت سنة 1948 على الشعب التطوع بساعتين يوميا مجانا للصالح العام. وفي معرض 1957 بالقاهرة ظهرت المعجزة وانبعاث شعب من الموت وأنشأ صناعة ثقيلة وضخمة لامثيل لها حتى الآن بأروبا.لو حللنا تلك المعجزة لوجدنا فيها عناصر ثلاث: الزمن، الأرض، الانسان. في المغرب منذ الثمانينات إلى اليوم والتطوع بثلاث ساعات أسبوعيا سار في مجال التعليم ، لكن النتيجة صفرمربع أو مكعب لايهم لأن القيمة متساوية. أين الخلل؟ مع العلم أن كل فرد بيولوجيا مستعد فطريا لاستعمال عبقريته وأرضه ووقته. لماذا تصرفت ألمانيا وشعبها في عبقريتها وإمكانياتها وأرضها تصرف الرشيد وعجزنا نحن؟ مثال آخر على نجاح الآخر.كانت الفئة اليهودية بالجزائر أثناء الحرب الثانية تعيش ظروفا صعبة /قوانين قاسية ، عزلة في غيتوهات، تجارتهم تعرقل ، ابناؤهم يفرون من المدارس بفعل المضايقات/ وللخروج من الأزمة تكونت مدرسة سرية في كل بيت يدرس فيها أساتذة متطوعون ، كما عمروا معابدهم أكثر من السابق لتقوية اللحمة، فارتفع نشاطهم التجاري بفعل تعاضدهم وفق مبدإ/الجميع للفرد والفرد للجميع/ هكذا تعلم الأطفال بلا مدرسة وازدهرت التجارة بأبناء نفس الطائفة، فترتب عن القيام بالواجب كسب الحقوق.
في التراث الإنساني الكثير من الحكم التي تحث على العمل وربنا يقول//وقل اعملوأ// ونحن نقول /وقل اسلتوا فما فاز إلا السلايتية/.الأوربيون عادوا إلى التاريخ لاستثمار ما فيه من قوة ، ونحن نعود إلى التاريخ لإحياء النعرات الجاهلية ــ سني شيعي ــ حب علي كره عائشة وأبوبكر ــ أبهذه الأفكار سنلاحق ماضاع من وقتنا؟ الأوربيون لايتزاحمون حتى وهم سكارى كما يحصل في ألمانيا كل سنة بمناسبة الاحتفال بمهرجان البيرا الذي يشارك فيه مايفوق سبعة ملايين سكران في ساحة عمومية، بينما المسلمون يموتون بالمآت بفعل الزحام وهم محرمون في أقدس بقع الدنيا.
إن أكبر مجال لقياس الإيمان هو العمل وليس المسجد، وإذا كان المؤمن يقصد المسجد مع رفع كل آذان وهو غير مخلص في عمله فهذا يعني أنه لم يستوعب جوهر الآية الكريمة //إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر// وتنطبق عليه الآية // هل ننبؤكم بالأخسرين أعمالا..// أيها السادة إن الزوائد الدودية أنهكت الوطن ، وكلنا نغفل عن جعل العقل والوطنية ينتصران على التوجه ألتدميري ويتجهان لانقاد ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
إن كان هناك إصلاح يستوجب التطبيق بشكل استعجالي فلن يكون غير قرار الحكومة بإعلان يوم الجمعة يوم عطلة نهاية الأسبوع حتى يستريح العباد من أعذار موظف يتأسلم يوم الجمعة ويبيت مخمورا يوم السبت ، يسخر وسيلة نبيلة لتحقيق غاية خبيثة..
أخيرا لايسعني أمام هذا المرض العضال الذي أصيبت به الأمة إلاأن أسأل الله لها بالشفاء ، وقد فعلت قبل ذلك في السر والعلن ولأفعلن خاشعا في الصبح والمساء عسى أن يرحمنا ربنا إنه على كل شيء قدير..

عزوزي.


كم تكلف صلاة الجمعة خزينة الدولة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق