حقيقة المسلم المعتدل كما يراها الغرب وأتباعه من المسلمين[1]
يرى الباحثون الإسلاميون أن ما يسميه الغربيون وأتباعهم اليوم بـ"الإسلام المعتدل"و" المسلم المعتدل "ما هو إلا:
1-"افتراء على الإسلام والمسلمين، وتشويه للإسلام،وتمزيق للمسلمين، وإشعال لنار الحرب بينهم". ويرون كذلك أن تقسيم الإسلام إلى "إسلام معتدل" و"إسلام متشدد" لا أصل له في الإسلام، لامن حيث عقيدته وأحكامه، ولا من حيث مفاهيمه، ولا واقعه.
2- محاولة لتفريغ الإسلام من محتواه الحقيقي وافتعال حروب داخلالنشاط الإسلامي، تتولى فيها التيارات الإسلامية (المعتدلة) الحرببالوكالة عن الدول الغربية على ما يسمى بالتيارات الإسلامية (المتشددة )،وتكون محصلة ذلك خدمة المصالح السياسية الغربية، و أن يعيش الغربيون في أمان وسلام.ولهذا فإن المفهوم المختار عند الغربيين لـ"المسلم المعتدل" أو "الجماعة الإسلامية المعتدلة " هو:" كل من ساعد على بُعد في أن نكون ( أي الغربيين) في أمان من أي اعتداءات إرهابية علينا "، كما تبنوا التعريف المقرر في القواميس عن الشخص المعتدل بأنه " كل من لا يتخذ موقفا متشددا في قضايا السياسة والدين".
وضع الغربيون وأتباعهم من المسلمين جدولا خاصا يفرقون فيه بين ما يسمونه بـ "المسلم المتطرف" و"المسلم المعتدل" على أساس موقف كل منهما من القضايا التي تشكل تهديدا للغرب، وذلك على النحو التالي[2]:
م
القضية التي تشكل تهديدا على الغرب
المسلم المتطرف
المسلم المعتدل
1
الموقف من عودة الخلافة
مؤيد لعودة دولة الخلافة
ضد عودة دولة الخلافة
2
الموقف من قضية تطبيق الشريعة
مؤيد لتطبيق الشريعة
معارض لتطبيق الشريعة
3
الموقف من تطبيق بعض جوانب الشريعة وقبول بعض تشريعات أخرى بجانبها
يعارض
يؤيد المسلم المعتدل بصفة عامة الإصلاحات في الشريعة التي تتطابق مع مبادئ القرآن الأساسية مثل العدالة والانصاف التعاطف والود والشرف الإنسانى بشرط تطابقها مع مع الأعراف والحقائق المعاصرة.
4
الموقف من حركات ما يسمى بالتجديد والإصلاح في الإسلام
ضد هذا التجديد والإصلاح على أساس أنه تطويع للإسلام لكى يساير الثقافة الغربية
يؤيد هذا التجديد والإصلاح
5
الموقف من فريضة الجهاد في سبيل الله
مؤيد للجهاد
معارض للجهاد
6
الموقف من الانتقادات الموجهة إلى الإسلام
لا يوافق على أى انتقادات توجه ضد الإسلام
يوافق على أساس قاعدة حرية التعبير
7
الموقف من القوانين التي تعاقب على سب الدين وتطبق حد الردة
يوافق على هذه القوانين
يشمئز من هذه القوانين
8
رد الفعل نحو انتقاد الإسلام أو النبي محمد صلى الله عليه وسلم
الغضب والعنف
التعقل وعدم رد الفعل، على أساس قاعدة حرية التعبير
9
احترام وتوقير كل فعل وكل كلمة جاءت في الأحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم
يحترمها ويوقرها
لا يفعل ذلك
10
الموقف من التيارات الليبرالية
معارض
مؤيد
11
الموقف من التصوف وزيارة الأضرحة والاجتهاد العقلي في المسائل الدينية
معارض
مؤيد
12
الموقف من الديموقراطية
يقف ضد الديموقراطية
يؤيد الديموقراطية
13
الموقف من اعتبار أهل الكتاب أهل ذمة
يؤيد اعتبار أهل الكتاب أهل ذمة
يعارض ذلك
14
حق الأقليات الدينية في تولى المناصب العليا في البلاد ذات الأغلبية المسلمة
يعارض أن يكون لغير المسلم سيادة على المسلم
يؤيد ذلك
15
الموقف من قضية المساواة بين الرجل والمرأة
حسب القواعد التي قررها الإسلام
مؤيد للمساواة بين الرجل والمرأة وفق المنظور الغربى
16
الموقف من حرية العقيدة والتحول من دين لآخر والارتداد عن الإسلام
يعارض
يوافق
17
الموقف مما يسمى الحكومة الثيوقراطية أو الدينية
يعرف ان الثيوقراطية مفهوم غربى لا صلة له بالإسلام
معارض لها
18
الموقف من شكل الحكومة المرغوبة
يرى أن الدين فوق الحكومة، وأن سيادة الحكومة على الدين إهانة له
تسودها العلمانية
19
الرغبة في سيادة الإسلام
مؤيد لسيادة الإسلام
ضد سيادة الإسلام
20
الموقف من سيادة القرآن على الدستور
يوافق
يعارض
21
الموقف من قضية المساواة بين الأديان
ضد هذا المبدأ لأن الدين عند الله الإسلام
مع هذا المبدأ
22
الموقف من ارتداء الزى الإسلامي مثل الحجاب والنقاب
مؤيد
معارض
23
الموقف من قتل الفتاة التي تزني وتذهب بشرف عائلتها أو ما يسمى بجرائم الشرف
مؤيد
معارض
24
الموقف من الوضع المعاصر للمرأة
يعارض الوضع المعاصر للمرأة ويرى أن حال المرأة اليوم يجب أن يكون كحال النساء في عهد النبوة
يعارض أن يكون وضع المرأة هو نفسه في عهد النبوة
25
الموقف من حرية المرأة من اختيار الرفيق وليس الزوج
معارض بشدة ويرى أنه مشروع زنا
مؤيد لحرية المرأة في اختيار صديق لها دون الزوج
26
الموقف من ختان الإناث
مؤيد
معارض
27
الموقف مما يسمى بالحرب على الإرهاب
يرفض مسمى الحرب على الإرهاب ويرى أنها حرب على الإسلام في الحقيقة
يؤيد الحرب على ما يسمى بالإرهاب
28
الموقف من التنظيمات الجهادية
مؤيد لها
معارض لها
29
استخدام مصطلح الإرهاب الإسلامي أو الفاشية الإسلامية
يعترض
يؤيد
30
حقوق الإنسان العالمية ومنها ممارسة حقه في الشذوذ الجنسي
ضدها
يؤيدها
31
الموقف من التحالف مع الغرب الغرب
يعارض
يؤيد
32
الموقف من العلمانية
يعارضها
أكثر علمانية وأقل تمسكا بالإسلام حسب المعيار المعتاد
33
الموقف من قضية معاداة السامية
معاد للسامية
غير معاد لها
34
الموقف من إسرائيل
معارض لها على طول الخط
يوافق على وجودها وعيشها في سلام مع العرب
35
الشعور بالراحة في حالة الإقامة في مجتمع متعدد العرقيات يضم يهودا ونصارى وهندوس وملحدين وغيرهم.
يفتقد إلى الشعور بالراحة في مثل هذه المجتمعات
يشعر بالراحة والاستمتاع بعلاقات تضم أفرادا من هذا النوع
بعد أن أطلق الغربيون مصطلح " المسلم المعتدل " تركوا لأتباعهم من المسلمين – وخاصة المقيمين بين ظهرانيهم- المجال لتعزيز وتعميق هذا المفهوم.
يعترف الدكتور " مقتدر خان " الذي يصنف نفسه على انه مدافع عن الحداثة ومناصر قوى لما يسميه بالإسلام الليبرالي بأن المسلمين بصفة عامة لا يحبون مصطلح " المسلم المعتدل " لأنه يعنى عندهم هذا الشخص الذي باع نفسه تماما من الناحية السياسية إلى الجانب الآخر المواجه للإسلام. ثم اجتهد في محاولة التفرقة بين ما يسميه بالمسلم المعتدل والمسلم المجاهد أى ( المسلم المسلح ) يقول " خان ":
"على الرغم من أن المسلم المعتدل والمسلم المسلح يدافعان عن ضرورة قيام المجتمع وتنظيمه على أساس المبادئ الإسلامية فإنهما يختلفان في توجهاتهما المنهجية وتفضيلاتهما للتفسيرات الخاصة بالإسلام. المسلم المعتدل يختارمنهج التغير الاجتماعى والسياسى ويجعل الجهاد هو الملاذ الأخير. أما المسلم المجاهد فيرى أن الجهاد المسلح هو اختياره الأول ولا يعترف بالاجتهاد في مسألة التغير الاجتماعي والسياسي "[3].
وقد اتجه باحثون آخرون نحو توصيف المزيد من الخصائص لما يسمونه بالمسلم المعتدل، وذلك على النحو التالى:
1- أن مفهوم " المسلم الليبرالي " أو " المسلم التقدمي " يحمل نفس معنى المسلم المعتدل.
2- أن المسلم المعتدل يضع الدين في فضاء خاص ولا يظهره على المستوى العام، بمعنى أن الدين له مكان في حياة مثل هذا الشخص لكنه لا يسيطر على حياته كلها. إنه يؤمن بالإله الواحد ويحرص على التقوى وعلى روح وأخلاقيات القرآن، لكنه عقلاني يفسر الأمور في ضوء العقل وليس في ضوء نصوص القرآن والسنة والفتاوى الإسلامية المرتبطة بهما. ومن هنا يكون الابتداع عند المسلم المعتدل هو الاجتهاد بعينه، بحيث يسمح للعقل بإعادة وتفسير الشريعة وفق المنطق العقلى الذي هو أداة التغيير في المجتمع.
3- يؤمن المسلم المعتدل بالقيم المنبثقة من القرآن مثل العدالة والتسامح والمساواة والتعاطف والحلول الوسط، ولكن لا تستحوذ عليه الطقوس والشعائر الدينية وقد لا يلتزم بها بصورة جدية. انه يشارك بقدراته وطاقاته في هذا العالم الدنيوي القاسي والمتداعي ويسعى إلى النجاح وتحقيق اهدافه التعليمية والمهنية وإشباع الحاجات الروحية والمادية له ولعائلته.
4- يرتبط الدين عند المسلم المعتدل بالجوانب الروحية والأخلاقية، أما قضايا الحياة اليومية والشئون المجتمعية مثل الزى والمظهر، والحمية، والأمور الشخصية، وظروف العمل، والتعامل مع البنوك والنظام السياسي وغير ذلك، فيرى أنها يجب أن تحكم بالمعايير العلمانية سواء أكانت البلاد تسودها أغلبية مسلمة أو لا.
5- ولاء المسلم المعتدل للوطن بالدرجة الأولى، ويرى أن العلاقات بين المواطنين يجب أن يسودها التعاطف، وألا ترتبط بالروابط والالتزامات التي يحددها الدين. ومن ثم فإن كراهية الكفار وغير المؤمنين أمر مرفوض لديه.
6- لا يؤمن بنظرية المؤامرة على العالم الإسلامي.
7- ينفر المسلم المعتدل من كتابات "سيد قطب" و"أبي الأعلى المودودي"، ولكنه أكثر قبولا لكتاب مثل "وحيد الدين خان" و"واريس مزهري" و"شاندرا مظفر" وغيرهم.
8- المسلم المعتدل يحترم معتقدات الآخرين، ويستمع باهتمام إلى وجهات نظرهم ولا يحتاج إلى أن يتناقش معهم لاثبات أن معتقده أسمى من معتقداتهم، أو أن يتمسك بمعتقده بطريقة تتسم بالتشدد.
هذه هى التصورات التي أطلقها الغربيون وأتباعهم من المسلمين حول سمات ما يسمونه بالمسلم المعتدل وهى السمات التي يرون أنها تضمن لهم العيش في أمن سلام في هذا العالم، وتسمح للغرب في نفس الوقت باحتلال واستغلال ثروات وخيرات العالم الإسلامي واستخدام أحدث الأسلحة المتطورة في ضرب المسلمين لتحقيق أهدافه، كما حدث في أفغانستان، والعراق، وليبيا. وليس لمسلم أن يعترض أو يقاوم وإلا وضع في خانة المسلم الإرهابي والمتطرف والمتشدد.
لا يعترف المفكرون الإسلاميون – كما أسلفنا سابقا- بهذه التقسيمات الغربية للإسلام والمسلمين من اعتدال أو تطرف، ويرون أنها "افتراء على الإسلام والمسلمين، وتشويه للإسلام،وتمزيق للمسلمين، وإشعال لنار الحرب بينهم".
ولهذا فإنهم حددوا عشر قواعد مبدئية يجب على المسلم أن يتمسك بها، في مواجهة هذا الطوفان من الحروب العسكرية والفكرية على الإسلام والمسلمين وهى على النحو التالي:
أولا: أن الدين ليس هو كل اعتقاد في الله، فالدين الذي يرضاه سبحانه وتعالى هو صورة واحدة من صور الإعتقاد وهو التوحيد المطلق الناصع القاطع. وهذا التوحيد الخالص هو مفرق الطريق بين عقيدة المسلم وسائر العقائد، سواء منها عقائد الملحدين المشركين أو عقائد أهل الكتاب من يهود أو نصارى على اختلاف مللهم ونحلهم.
ثانيا: أن الإسلام ليس مجرد راية أو شعارات، أو كلمات تقال باللسان. أومشاعر أو شعائر تعبدية أو صلوات. فالهدف الأصيل الذي جاء لتحقيقه هو إنشاء أمة، وإقامة دولة، وتنظيم مجتمع، على أساس من عقيدة خاصة، وتصور معين، وبناء جديد.
ثالثا: أن الأصل في العقيدة الإسلامية هو إفراد الله سبحانه بالألوهية والربوبية والقوامة والسلطان، وتلقى منهج الحياة وشريعتها ونظامها وقيمها منه وحده لا شريك له. يتناول نظام هذه العقيدة الحياة كلها، ويتولى شؤون البشرية كبيرها وصغيرها، وينظم حياة الإنسان لا في هذه الحياة الدنيا وحدها، ولكن في الدار الآخرة كذلك، وليس في عالم الشهادة وحده ولكن في عالم الغيب أيضا, وليس في المعاملات المادية الظاهرة فقط، ولكن في عالم السرائر والضمائر والنوايا كذلك.
رابعا: أن هذه العقيدة لا تختلط بغيرها من المعتقدات أو المناهج أو التصورات أو المذاهب أو الأوضاع أو النظريات؛ لأنه لا يمكن التعايش بين منهجين للحياة، أحدهما من صنع الله والآخر من صنع البشر، بينهما اختلاف جذري عميق بعيد المدى شامل لكل جزئية من جزئيات الإعتقاد والخلق والسلوك والتنظيم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والإنساني، فكل خطوة من خطوات الحياة في أحد المنهجين لا بد أن تكون مختلفة مع الأخرى متصادمة معها.
خامسا: استنادا إلى القاعدة السابقة تكون طاعة أهل الكتاب والتلقي عنهم واقتباس مناهجهم وأوضاعهم أحد أنواع الهزيمة الداخلية. فهذه الطاعة تعنى التخلي عن دور القيادة التي من أجلها أنشئت الأمة المسلمة. كما تحمل معنى الشك في كفاية منهج الله لقيادة الحياة وتنظيمها والسير بها في طريق الارتقاء.
ومن ناحية أخرى فإن أهل الكتاب لا يحرصون على شيئ قدر حرصهم على إضلال هذه الأمة عن عقيدتها التي هي صخرة النجاة، وخط الدفاع ومصدر القوة الدافعة للأمة المسلمة، وأعداؤها يعرفون هذا جيدا قديما وحديثا. ويبذلون في سبيل تحويل هذه الأمة عن عقيدتها كل ما في وسعهم من مكر وحيلة، ومن قوة وعدة، وحين يعجزون عن محاربة هذه العقيدة ظاهرين يدسون لها ماكرين، وحينما يعييهم أن يحاربوها بأنفسهم وحدهـــم، يجندون من المنافقين المتظاهرين بالإسلام أو ممن ينتسبون إلى الإسلام زورا، جنودا مجندة لتنخر لهم في جسم هذه العقيدة من داخل الدار، ولتصد الناس عنها، ولتزين لهم مناهج غير منهجها، وأوضاعا غير أوضاعها، وقيادة غير قيادتها. يقول الله تعالى: ***64831; يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ***64830; [آل عمران: 100].
سادسا: أن العقل البشرى لا يصلح وحده أن يكون ميزانا ضابطا مالم ينضبط هو على ميزان العقيدة الصحيحة. فالعقل يتأثر بالهوى، ويفقد القدرة على المقاومة في وجه الضغوط، ما لم يستند إلى هذا الميزان المضبوط. وتقدم العقيدة ميزانا للحق تنضبط به عقول ومدارك الناس، وتوزن به اتجاهاتهم وحركاتهم وتصوراتهم. وهذا يعنى أن الدين لا يطلب إلا من الكتاب والسنة، وأن ما يقع من المعقول والخواطر والآراء يعرض عليهما فإن كان موافقا يقبل ويجب الشكر لله أن هدى إلى ذلك. وإن كان مخالفا يترك، ويجب على الإنسان أن يتهم نفسه في هذه الحالة، لأن الكتاب والسنة لا يهديان إلا إلى الحق، ورأى الإنسان قد يكون حقا وقد يكون باطلا.
سابعا: أن الجهاد ركن أساس في هذه العقيدة، وهو ليس مجرد عملية للدفاع عن الإسلام حينما يتعرض للهجوم فقط، ذلك لأن المجتمعات المعادية للإسلام لا تتحرك فرادى، وإنما تتحرك ككائنات عضوية تندفع بطبيعة وجودها وتكوينها إلى الدفاع الذاتي عن وجودها وثقافتها وطريقة حياتها التي تخالف طريقة الحياة في الإسلام، فهم بعضهم أولياء بعض ***64831;وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ***64830; [الأنفال: 73]. ومن ثم لا بد للإسلام أن يواجه هذه الكيانات بمجتمع آخر له ذات الخصائص ولكن بدرجة أقوى، فإذا لم يواجههم بمجتمع ولاؤه بعضه لبعض فستقع الفتنة لأفراده، لأنهم لا يملكون مواجهة هذه المجتمعات المتكاملة كياناتها، وتقع الفتنة بغلبة هؤلاء الأعداء، ويقع الفساد في الأرض بطغيان وسيطرة هذه الكيانات على مجتمعات المسلمين.
ثامنا: أن هذه العقيدة لا تطلب من الناس الكمال، بل تطلب أن يؤخذ الناس بالعفو الميسر الممكن من أخلاقهم في المعاشرة والصحبة، والعفو عن أخطائهم وضعفهم ونقصهم، وذلك كله في المعاملات الشخصية، ولكن ليس في العقيدة الدينية ولا في الواجبات الشرعية، فليس في عقيدة الإسلام ولا شريعة الله يكون التغاضي والتسامح، ولكن في الأخذ والعطاء والصحبة والجوار، وبذلك تمضى الحياة سهلة لينة، فالإغضاء عن الضعف البشرى والعطف عليه والسماحة معه واجب الكبار الأقوياء نحو الصغار الضعفاء.
تاسعا: أن الموقف من الثورات التي تسعى إلى الإطاحة بالطغاة من الحكام هو الآتي: " أن كل من يؤمن بالله ورسوله ويدين دين الحق، لا ينتهي عمله بأن يبذل المستطاع لإفراغ حياته في قالب الإسلام، ولا تبرأ ذمته من ذلك فحسب، بل يلزمه بمقتضى ذلك الإيمان أن يستنفذ جميع قواه ومساعيه في انتزاع زمام الأمر من أيدي الكافرين، والفاسقين، والظالمين،حتى يتسلمه رجال ذو صلاح ممن يتقون الله ويرجون حسابه، ويقوم في الأرض نظام حق، يكون فيه الحكم لله وحده، يرضى به الله وتقام به شريعته كاملة غير منقوصة، ويتحقق به صلاح أمور الدنيا وقوام شؤونها".
هذه هى القواعد العشر المبدئية التي وضعها المفكرون الإسلاميون كأساس يلزم على المسلم أن يقيم عليها حياته، رضي الناس أم لم يرضوا ذلك، وذلك لسببين أساسيين وضع المفكرون الإسلاميون خطوطهما في وضوح لا لبس فيه ولا غموض.
أولهما: أن الاحتكام إلى منهج الله في كتابه ليس نافلة ولا تطوعا ولا موضع اختيار، إنما هو الإيمان، أو لا إيمان. يقول تعالى: ***64831;وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ***64830; [الأحزاب: 36]، ويقول تعالى: ***64831;ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ***64830; [الجاثية: 18-19].
والثاني: هو أن هذه العقيدة لا تقبل لها في القلب شريكا ولا ترضى بشعار غير شعارها المفرد الصريح. وأمرها لا رخاوة فيه ولا تميع، ولا يقبل أنصاف الحلول، ولا الهزل، وأن على المؤمن بها أن يقبل عليها إقبال الجاد القاصد العارف بتكاليفها، والمصمم على تحمل هذه التكاليف. وأن عليه أن يودع حياة الدعة والرخاء والرخاوة ويجعل هذه العقيدة هي شغله الشاغل له، حتى في ساعة احتضاره وعند سكرات موته. وهى الأمر الجلل التي يجب أن يستوثق منه والتركة التي يجب أن يخلفها لأبنائه ويحرص على سلامة وصولها إليهم مثلما فعل يعقوب عليه السلام مع بنية حين حضره الموت ".
رابط الموضوع: http://ift.tt/1G7dlhi
يرى الباحثون الإسلاميون أن ما يسميه الغربيون وأتباعهم اليوم بـ"الإسلام المعتدل"و" المسلم المعتدل "ما هو إلا:
1-"افتراء على الإسلام والمسلمين، وتشويه للإسلام،وتمزيق للمسلمين، وإشعال لنار الحرب بينهم". ويرون كذلك أن تقسيم الإسلام إلى "إسلام معتدل" و"إسلام متشدد" لا أصل له في الإسلام، لامن حيث عقيدته وأحكامه، ولا من حيث مفاهيمه، ولا واقعه.
2- محاولة لتفريغ الإسلام من محتواه الحقيقي وافتعال حروب داخلالنشاط الإسلامي، تتولى فيها التيارات الإسلامية (المعتدلة) الحرببالوكالة عن الدول الغربية على ما يسمى بالتيارات الإسلامية (المتشددة )،وتكون محصلة ذلك خدمة المصالح السياسية الغربية، و أن يعيش الغربيون في أمان وسلام.ولهذا فإن المفهوم المختار عند الغربيين لـ"المسلم المعتدل" أو "الجماعة الإسلامية المعتدلة " هو:" كل من ساعد على بُعد في أن نكون ( أي الغربيين) في أمان من أي اعتداءات إرهابية علينا "، كما تبنوا التعريف المقرر في القواميس عن الشخص المعتدل بأنه " كل من لا يتخذ موقفا متشددا في قضايا السياسة والدين".
وضع الغربيون وأتباعهم من المسلمين جدولا خاصا يفرقون فيه بين ما يسمونه بـ "المسلم المتطرف" و"المسلم المعتدل" على أساس موقف كل منهما من القضايا التي تشكل تهديدا للغرب، وذلك على النحو التالي[2]:
م
القضية التي تشكل تهديدا على الغرب
المسلم المتطرف
المسلم المعتدل
1
الموقف من عودة الخلافة
مؤيد لعودة دولة الخلافة
ضد عودة دولة الخلافة
2
الموقف من قضية تطبيق الشريعة
مؤيد لتطبيق الشريعة
معارض لتطبيق الشريعة
3
الموقف من تطبيق بعض جوانب الشريعة وقبول بعض تشريعات أخرى بجانبها
يعارض
يؤيد المسلم المعتدل بصفة عامة الإصلاحات في الشريعة التي تتطابق مع مبادئ القرآن الأساسية مثل العدالة والانصاف التعاطف والود والشرف الإنسانى بشرط تطابقها مع مع الأعراف والحقائق المعاصرة.
4
الموقف من حركات ما يسمى بالتجديد والإصلاح في الإسلام
ضد هذا التجديد والإصلاح على أساس أنه تطويع للإسلام لكى يساير الثقافة الغربية
يؤيد هذا التجديد والإصلاح
5
الموقف من فريضة الجهاد في سبيل الله
مؤيد للجهاد
معارض للجهاد
6
الموقف من الانتقادات الموجهة إلى الإسلام
لا يوافق على أى انتقادات توجه ضد الإسلام
يوافق على أساس قاعدة حرية التعبير
7
الموقف من القوانين التي تعاقب على سب الدين وتطبق حد الردة
يوافق على هذه القوانين
يشمئز من هذه القوانين
8
رد الفعل نحو انتقاد الإسلام أو النبي محمد صلى الله عليه وسلم
الغضب والعنف
التعقل وعدم رد الفعل، على أساس قاعدة حرية التعبير
9
احترام وتوقير كل فعل وكل كلمة جاءت في الأحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم
يحترمها ويوقرها
لا يفعل ذلك
10
الموقف من التيارات الليبرالية
معارض
مؤيد
11
الموقف من التصوف وزيارة الأضرحة والاجتهاد العقلي في المسائل الدينية
معارض
مؤيد
12
الموقف من الديموقراطية
يقف ضد الديموقراطية
يؤيد الديموقراطية
13
الموقف من اعتبار أهل الكتاب أهل ذمة
يؤيد اعتبار أهل الكتاب أهل ذمة
يعارض ذلك
14
حق الأقليات الدينية في تولى المناصب العليا في البلاد ذات الأغلبية المسلمة
يعارض أن يكون لغير المسلم سيادة على المسلم
يؤيد ذلك
15
الموقف من قضية المساواة بين الرجل والمرأة
حسب القواعد التي قررها الإسلام
مؤيد للمساواة بين الرجل والمرأة وفق المنظور الغربى
16
الموقف من حرية العقيدة والتحول من دين لآخر والارتداد عن الإسلام
يعارض
يوافق
17
الموقف مما يسمى الحكومة الثيوقراطية أو الدينية
يعرف ان الثيوقراطية مفهوم غربى لا صلة له بالإسلام
معارض لها
18
الموقف من شكل الحكومة المرغوبة
يرى أن الدين فوق الحكومة، وأن سيادة الحكومة على الدين إهانة له
تسودها العلمانية
19
الرغبة في سيادة الإسلام
مؤيد لسيادة الإسلام
ضد سيادة الإسلام
20
الموقف من سيادة القرآن على الدستور
يوافق
يعارض
21
الموقف من قضية المساواة بين الأديان
ضد هذا المبدأ لأن الدين عند الله الإسلام
مع هذا المبدأ
22
الموقف من ارتداء الزى الإسلامي مثل الحجاب والنقاب
مؤيد
معارض
23
الموقف من قتل الفتاة التي تزني وتذهب بشرف عائلتها أو ما يسمى بجرائم الشرف
مؤيد
معارض
24
الموقف من الوضع المعاصر للمرأة
يعارض الوضع المعاصر للمرأة ويرى أن حال المرأة اليوم يجب أن يكون كحال النساء في عهد النبوة
يعارض أن يكون وضع المرأة هو نفسه في عهد النبوة
25
الموقف من حرية المرأة من اختيار الرفيق وليس الزوج
معارض بشدة ويرى أنه مشروع زنا
مؤيد لحرية المرأة في اختيار صديق لها دون الزوج
26
الموقف من ختان الإناث
مؤيد
معارض
27
الموقف مما يسمى بالحرب على الإرهاب
يرفض مسمى الحرب على الإرهاب ويرى أنها حرب على الإسلام في الحقيقة
يؤيد الحرب على ما يسمى بالإرهاب
28
الموقف من التنظيمات الجهادية
مؤيد لها
معارض لها
29
استخدام مصطلح الإرهاب الإسلامي أو الفاشية الإسلامية
يعترض
يؤيد
30
حقوق الإنسان العالمية ومنها ممارسة حقه في الشذوذ الجنسي
ضدها
يؤيدها
31
الموقف من التحالف مع الغرب الغرب
يعارض
يؤيد
32
الموقف من العلمانية
يعارضها
أكثر علمانية وأقل تمسكا بالإسلام حسب المعيار المعتاد
33
الموقف من قضية معاداة السامية
معاد للسامية
غير معاد لها
34
الموقف من إسرائيل
معارض لها على طول الخط
يوافق على وجودها وعيشها في سلام مع العرب
35
الشعور بالراحة في حالة الإقامة في مجتمع متعدد العرقيات يضم يهودا ونصارى وهندوس وملحدين وغيرهم.
يفتقد إلى الشعور بالراحة في مثل هذه المجتمعات
يشعر بالراحة والاستمتاع بعلاقات تضم أفرادا من هذا النوع
بعد أن أطلق الغربيون مصطلح " المسلم المعتدل " تركوا لأتباعهم من المسلمين – وخاصة المقيمين بين ظهرانيهم- المجال لتعزيز وتعميق هذا المفهوم.
يعترف الدكتور " مقتدر خان " الذي يصنف نفسه على انه مدافع عن الحداثة ومناصر قوى لما يسميه بالإسلام الليبرالي بأن المسلمين بصفة عامة لا يحبون مصطلح " المسلم المعتدل " لأنه يعنى عندهم هذا الشخص الذي باع نفسه تماما من الناحية السياسية إلى الجانب الآخر المواجه للإسلام. ثم اجتهد في محاولة التفرقة بين ما يسميه بالمسلم المعتدل والمسلم المجاهد أى ( المسلم المسلح ) يقول " خان ":
"على الرغم من أن المسلم المعتدل والمسلم المسلح يدافعان عن ضرورة قيام المجتمع وتنظيمه على أساس المبادئ الإسلامية فإنهما يختلفان في توجهاتهما المنهجية وتفضيلاتهما للتفسيرات الخاصة بالإسلام. المسلم المعتدل يختارمنهج التغير الاجتماعى والسياسى ويجعل الجهاد هو الملاذ الأخير. أما المسلم المجاهد فيرى أن الجهاد المسلح هو اختياره الأول ولا يعترف بالاجتهاد في مسألة التغير الاجتماعي والسياسي "[3].
وقد اتجه باحثون آخرون نحو توصيف المزيد من الخصائص لما يسمونه بالمسلم المعتدل، وذلك على النحو التالى:
1- أن مفهوم " المسلم الليبرالي " أو " المسلم التقدمي " يحمل نفس معنى المسلم المعتدل.
2- أن المسلم المعتدل يضع الدين في فضاء خاص ولا يظهره على المستوى العام، بمعنى أن الدين له مكان في حياة مثل هذا الشخص لكنه لا يسيطر على حياته كلها. إنه يؤمن بالإله الواحد ويحرص على التقوى وعلى روح وأخلاقيات القرآن، لكنه عقلاني يفسر الأمور في ضوء العقل وليس في ضوء نصوص القرآن والسنة والفتاوى الإسلامية المرتبطة بهما. ومن هنا يكون الابتداع عند المسلم المعتدل هو الاجتهاد بعينه، بحيث يسمح للعقل بإعادة وتفسير الشريعة وفق المنطق العقلى الذي هو أداة التغيير في المجتمع.
3- يؤمن المسلم المعتدل بالقيم المنبثقة من القرآن مثل العدالة والتسامح والمساواة والتعاطف والحلول الوسط، ولكن لا تستحوذ عليه الطقوس والشعائر الدينية وقد لا يلتزم بها بصورة جدية. انه يشارك بقدراته وطاقاته في هذا العالم الدنيوي القاسي والمتداعي ويسعى إلى النجاح وتحقيق اهدافه التعليمية والمهنية وإشباع الحاجات الروحية والمادية له ولعائلته.
4- يرتبط الدين عند المسلم المعتدل بالجوانب الروحية والأخلاقية، أما قضايا الحياة اليومية والشئون المجتمعية مثل الزى والمظهر، والحمية، والأمور الشخصية، وظروف العمل، والتعامل مع البنوك والنظام السياسي وغير ذلك، فيرى أنها يجب أن تحكم بالمعايير العلمانية سواء أكانت البلاد تسودها أغلبية مسلمة أو لا.
5- ولاء المسلم المعتدل للوطن بالدرجة الأولى، ويرى أن العلاقات بين المواطنين يجب أن يسودها التعاطف، وألا ترتبط بالروابط والالتزامات التي يحددها الدين. ومن ثم فإن كراهية الكفار وغير المؤمنين أمر مرفوض لديه.
6- لا يؤمن بنظرية المؤامرة على العالم الإسلامي.
7- ينفر المسلم المعتدل من كتابات "سيد قطب" و"أبي الأعلى المودودي"، ولكنه أكثر قبولا لكتاب مثل "وحيد الدين خان" و"واريس مزهري" و"شاندرا مظفر" وغيرهم.
8- المسلم المعتدل يحترم معتقدات الآخرين، ويستمع باهتمام إلى وجهات نظرهم ولا يحتاج إلى أن يتناقش معهم لاثبات أن معتقده أسمى من معتقداتهم، أو أن يتمسك بمعتقده بطريقة تتسم بالتشدد.
هذه هى التصورات التي أطلقها الغربيون وأتباعهم من المسلمين حول سمات ما يسمونه بالمسلم المعتدل وهى السمات التي يرون أنها تضمن لهم العيش في أمن سلام في هذا العالم، وتسمح للغرب في نفس الوقت باحتلال واستغلال ثروات وخيرات العالم الإسلامي واستخدام أحدث الأسلحة المتطورة في ضرب المسلمين لتحقيق أهدافه، كما حدث في أفغانستان، والعراق، وليبيا. وليس لمسلم أن يعترض أو يقاوم وإلا وضع في خانة المسلم الإرهابي والمتطرف والمتشدد.
لا يعترف المفكرون الإسلاميون – كما أسلفنا سابقا- بهذه التقسيمات الغربية للإسلام والمسلمين من اعتدال أو تطرف، ويرون أنها "افتراء على الإسلام والمسلمين، وتشويه للإسلام،وتمزيق للمسلمين، وإشعال لنار الحرب بينهم".
ولهذا فإنهم حددوا عشر قواعد مبدئية يجب على المسلم أن يتمسك بها، في مواجهة هذا الطوفان من الحروب العسكرية والفكرية على الإسلام والمسلمين وهى على النحو التالي:
أولا: أن الدين ليس هو كل اعتقاد في الله، فالدين الذي يرضاه سبحانه وتعالى هو صورة واحدة من صور الإعتقاد وهو التوحيد المطلق الناصع القاطع. وهذا التوحيد الخالص هو مفرق الطريق بين عقيدة المسلم وسائر العقائد، سواء منها عقائد الملحدين المشركين أو عقائد أهل الكتاب من يهود أو نصارى على اختلاف مللهم ونحلهم.
ثانيا: أن الإسلام ليس مجرد راية أو شعارات، أو كلمات تقال باللسان. أومشاعر أو شعائر تعبدية أو صلوات. فالهدف الأصيل الذي جاء لتحقيقه هو إنشاء أمة، وإقامة دولة، وتنظيم مجتمع، على أساس من عقيدة خاصة، وتصور معين، وبناء جديد.
ثالثا: أن الأصل في العقيدة الإسلامية هو إفراد الله سبحانه بالألوهية والربوبية والقوامة والسلطان، وتلقى منهج الحياة وشريعتها ونظامها وقيمها منه وحده لا شريك له. يتناول نظام هذه العقيدة الحياة كلها، ويتولى شؤون البشرية كبيرها وصغيرها، وينظم حياة الإنسان لا في هذه الحياة الدنيا وحدها، ولكن في الدار الآخرة كذلك، وليس في عالم الشهادة وحده ولكن في عالم الغيب أيضا, وليس في المعاملات المادية الظاهرة فقط، ولكن في عالم السرائر والضمائر والنوايا كذلك.
رابعا: أن هذه العقيدة لا تختلط بغيرها من المعتقدات أو المناهج أو التصورات أو المذاهب أو الأوضاع أو النظريات؛ لأنه لا يمكن التعايش بين منهجين للحياة، أحدهما من صنع الله والآخر من صنع البشر، بينهما اختلاف جذري عميق بعيد المدى شامل لكل جزئية من جزئيات الإعتقاد والخلق والسلوك والتنظيم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والإنساني، فكل خطوة من خطوات الحياة في أحد المنهجين لا بد أن تكون مختلفة مع الأخرى متصادمة معها.
خامسا: استنادا إلى القاعدة السابقة تكون طاعة أهل الكتاب والتلقي عنهم واقتباس مناهجهم وأوضاعهم أحد أنواع الهزيمة الداخلية. فهذه الطاعة تعنى التخلي عن دور القيادة التي من أجلها أنشئت الأمة المسلمة. كما تحمل معنى الشك في كفاية منهج الله لقيادة الحياة وتنظيمها والسير بها في طريق الارتقاء.
ومن ناحية أخرى فإن أهل الكتاب لا يحرصون على شيئ قدر حرصهم على إضلال هذه الأمة عن عقيدتها التي هي صخرة النجاة، وخط الدفاع ومصدر القوة الدافعة للأمة المسلمة، وأعداؤها يعرفون هذا جيدا قديما وحديثا. ويبذلون في سبيل تحويل هذه الأمة عن عقيدتها كل ما في وسعهم من مكر وحيلة، ومن قوة وعدة، وحين يعجزون عن محاربة هذه العقيدة ظاهرين يدسون لها ماكرين، وحينما يعييهم أن يحاربوها بأنفسهم وحدهـــم، يجندون من المنافقين المتظاهرين بالإسلام أو ممن ينتسبون إلى الإسلام زورا، جنودا مجندة لتنخر لهم في جسم هذه العقيدة من داخل الدار، ولتصد الناس عنها، ولتزين لهم مناهج غير منهجها، وأوضاعا غير أوضاعها، وقيادة غير قيادتها. يقول الله تعالى: ***64831; يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ***64830; [آل عمران: 100].
سادسا: أن العقل البشرى لا يصلح وحده أن يكون ميزانا ضابطا مالم ينضبط هو على ميزان العقيدة الصحيحة. فالعقل يتأثر بالهوى، ويفقد القدرة على المقاومة في وجه الضغوط، ما لم يستند إلى هذا الميزان المضبوط. وتقدم العقيدة ميزانا للحق تنضبط به عقول ومدارك الناس، وتوزن به اتجاهاتهم وحركاتهم وتصوراتهم. وهذا يعنى أن الدين لا يطلب إلا من الكتاب والسنة، وأن ما يقع من المعقول والخواطر والآراء يعرض عليهما فإن كان موافقا يقبل ويجب الشكر لله أن هدى إلى ذلك. وإن كان مخالفا يترك، ويجب على الإنسان أن يتهم نفسه في هذه الحالة، لأن الكتاب والسنة لا يهديان إلا إلى الحق، ورأى الإنسان قد يكون حقا وقد يكون باطلا.
سابعا: أن الجهاد ركن أساس في هذه العقيدة، وهو ليس مجرد عملية للدفاع عن الإسلام حينما يتعرض للهجوم فقط، ذلك لأن المجتمعات المعادية للإسلام لا تتحرك فرادى، وإنما تتحرك ككائنات عضوية تندفع بطبيعة وجودها وتكوينها إلى الدفاع الذاتي عن وجودها وثقافتها وطريقة حياتها التي تخالف طريقة الحياة في الإسلام، فهم بعضهم أولياء بعض ***64831;وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ***64830; [الأنفال: 73]. ومن ثم لا بد للإسلام أن يواجه هذه الكيانات بمجتمع آخر له ذات الخصائص ولكن بدرجة أقوى، فإذا لم يواجههم بمجتمع ولاؤه بعضه لبعض فستقع الفتنة لأفراده، لأنهم لا يملكون مواجهة هذه المجتمعات المتكاملة كياناتها، وتقع الفتنة بغلبة هؤلاء الأعداء، ويقع الفساد في الأرض بطغيان وسيطرة هذه الكيانات على مجتمعات المسلمين.
ثامنا: أن هذه العقيدة لا تطلب من الناس الكمال، بل تطلب أن يؤخذ الناس بالعفو الميسر الممكن من أخلاقهم في المعاشرة والصحبة، والعفو عن أخطائهم وضعفهم ونقصهم، وذلك كله في المعاملات الشخصية، ولكن ليس في العقيدة الدينية ولا في الواجبات الشرعية، فليس في عقيدة الإسلام ولا شريعة الله يكون التغاضي والتسامح، ولكن في الأخذ والعطاء والصحبة والجوار، وبذلك تمضى الحياة سهلة لينة، فالإغضاء عن الضعف البشرى والعطف عليه والسماحة معه واجب الكبار الأقوياء نحو الصغار الضعفاء.
تاسعا: أن الموقف من الثورات التي تسعى إلى الإطاحة بالطغاة من الحكام هو الآتي: " أن كل من يؤمن بالله ورسوله ويدين دين الحق، لا ينتهي عمله بأن يبذل المستطاع لإفراغ حياته في قالب الإسلام، ولا تبرأ ذمته من ذلك فحسب، بل يلزمه بمقتضى ذلك الإيمان أن يستنفذ جميع قواه ومساعيه في انتزاع زمام الأمر من أيدي الكافرين، والفاسقين، والظالمين،حتى يتسلمه رجال ذو صلاح ممن يتقون الله ويرجون حسابه، ويقوم في الأرض نظام حق، يكون فيه الحكم لله وحده، يرضى به الله وتقام به شريعته كاملة غير منقوصة، ويتحقق به صلاح أمور الدنيا وقوام شؤونها".
هذه هى القواعد العشر المبدئية التي وضعها المفكرون الإسلاميون كأساس يلزم على المسلم أن يقيم عليها حياته، رضي الناس أم لم يرضوا ذلك، وذلك لسببين أساسيين وضع المفكرون الإسلاميون خطوطهما في وضوح لا لبس فيه ولا غموض.
أولهما: أن الاحتكام إلى منهج الله في كتابه ليس نافلة ولا تطوعا ولا موضع اختيار، إنما هو الإيمان، أو لا إيمان. يقول تعالى: ***64831;وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ***64830; [الأحزاب: 36]، ويقول تعالى: ***64831;ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ***64830; [الجاثية: 18-19].
والثاني: هو أن هذه العقيدة لا تقبل لها في القلب شريكا ولا ترضى بشعار غير شعارها المفرد الصريح. وأمرها لا رخاوة فيه ولا تميع، ولا يقبل أنصاف الحلول، ولا الهزل، وأن على المؤمن بها أن يقبل عليها إقبال الجاد القاصد العارف بتكاليفها، والمصمم على تحمل هذه التكاليف. وأن عليه أن يودع حياة الدعة والرخاء والرخاوة ويجعل هذه العقيدة هي شغله الشاغل له، حتى في ساعة احتضاره وعند سكرات موته. وهى الأمر الجلل التي يجب أن يستوثق منه والتركة التي يجب أن يخلفها لأبنائه ويحرص على سلامة وصولها إليهم مثلما فعل يعقوب عليه السلام مع بنية حين حضره الموت ".
رابط الموضوع: http://ift.tt/1G7dlhi
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق